بقلم:الدكتور محمد وراضي
بمكة وحدها قضى الرسول الأكرم الأمين أزيد من عقد زمني بثلاث سنوات، كان التركيز خلاله على التعريف بالربوبية والألوهية، أي على الدعوة إلى التوحيد الخالص. مما يعني أن تطهير النفوس والعقول من المعتقدات الفاسدة عملية تستدعي أولا تحديد ماهياتها كقناعات لدى المخدوعين! وتستدعي ثانيا تحديد الخطر الذي تمثله تلك كظلاميات على الأفراد والجماعات.
فالملل والنحل الموضوعة المبتدعة – في نظر الإسلام – ملل ونحل فاسدة، والديانتان السماويتان الموجودتان إلى جانب الوثنية وعبادة الجن، وبقايا الحنيفية، داخل شبه الجزيرة العربية محرفتان، إما بالزيادة، وإما بالنقص، يعني أن في الديانتين تطرفا ملموسا من خلال المغالاة، أي من خلال الإفراط والتفريط، والابتداع! ففتحت بذلك أبواب الانزلاق صوب فكر ظلامي يتقدمه الشرك! فالمسيح ابن الله عند النصارى ، وعزير ابن الله عند اليهود، وعند هؤلاء أن عيسى عليه السلام مولود لزانية هي مريم،، وعند أولئك أن اليهود هم الذين صلبوا من أطلقوا عليه ثالث ثلاثة أمام الجماهير المحتشدة الغاضبة أو الناقمة!
وحتى لا نتهم بالتحامل الذي سوف يقال بأن انتماءنا للإسلام يغذيه، نترك الكلام في ذات الموضوع لأحد فلاسفة ما يعرف بعصر الأنوار هو فولتير.
قال: إن المسيح "لم يقل قط في الأناجيل:لقد جئت وسأموت كي أجثت المعصية الأصلية، إن أمي بتول. وأن جوهري وجوهر الله واحد. ونحن أقانيم ثلاثة في الله. وأن لي طبيعتين وإرادتين، ولست إلا شخصا واحدا. لست أبا ولكني والأب شيء واحد. فأنا هو ولست هو. وسيصدر ثالث الثلاثة عن الأب فيما يعتقد اليونانيون، وعن الأب والابن فيما يعتقد اللاتينيون، كل الكون صائر إلى الهلاك الأبدي، وأمي معه. ولكن أمي أم الله. آمركم أن تضعوا - بالنطق – في كسرة خبز صغيرة جسمي كله، شعري، أظافري، لحيتي، بولي، دمي، وأن تضعوا في ذات الوقت دمي على حدة في كأس نبيذ" .
إن "المسيح لم يقل شيئا من ذلك كله، ليس هذا فحسب، بل إنه لم يفكر قط فيه، ولو قيض له أن يرجع بيننا ، فكم سيكون غضبه شديدا، وكم ستكون دهشته عظيمة.
وماذا سيقول حينئذ في عادات أولئك الذين يصرحون بأنهم ممثلوه في الأرض؟ فالمسيح استنكر التفاوت في الدرجات بين الكهنة، ولكن الكنيسة تقوم على التسلسل الكهنوتي (= ما يحصل لدى الصوفية!). البابا والمطارنة ورؤساء الأديرة يأمرون وينهون على هواهم، وصغار الكهنة لا يملكون سوى حق الارتجاف والطاعة (= ينبغي أن يكون المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي غاسله)! والمسيح استنكر الغنى وأشاد بالفقر، ولكن البابا والمطارنة ورؤساء الأديرة يرفلون في بحبوحة من العيش، باستثناء صغار الكهنة الذين يحيون حياة بائسة ويموتون جوعا" (= شيوخ الكثير من الزوايا في القديم والحديث. وما الزاوية البودشيشية سوى نموذج لمن أراد أن يعرف!).
وعن قيمة الكتاب المقدس التاريخية يقول: "إن قسما بأكمله من العهد القديم يعتبر بأنه حرر بيد موسى نفسه، فإذا صح ذلك أصبحت قيمته الوثائقية عظيمة جدا، فهل هذا الأمر صحيح؟ إن فولتير يجيب بالنفي: أولا، إن موسى لا يتحدث فيه عن نفسه إلا بصيغة الغائب، فإذا لم يكن ذلك دليلا كافيا، فإنه على الأقل قرينة على عدم الصحة، ثم إن المؤلف يصرح فيه بأنه يكتب "من وراء نهر الأردن"، ولكن موسى لم يعبر الأردن طيلة حياته. كما أن مواقع عدة سميت في الكتاب بأسماء لم تطلق عليها إلا بعد وفاة موسى بقرون كثيرة. وهذا ما يدعو إلى الدهشة الكبيرة. ولكن المفاجأة العظمى أن موسى يروي فيه قصة وفاته بشتى ظروفها وتفاصيلها النهائية" .
وأضاف فولتير: "إذا كان الله هو الذي نزل التوراة، فلا بد أنه شديد الجهل، إنه لا يعرف شيئا عن الفيزياء، ألا يبين أن النور كان أولا، وبعدئذ كانت الشمس؟ ألا يؤكد أن الفلك يتكون وسط المياه، في حين لا وجود للفلك ولا نعلم أي مياه يعني؟ ألا يجزم خلافا لكل نتائج العلوم أن الأرنب حيوان مجتر؟ أضف إلى ذلك أنه جاهل بالجغرافيا. فما القول بجنات عدن يخرج منها نهر عظيم يتفرع إلى أربعة أنهر: دجلة والفرات،،،الخ (…)
علينا أن نتوقع ما هو أسوأ، فهذا الإله الأخلاقي إلى أبعد حد، كيف نتصور أنه يوحي إلى أنبيائه بأحمق الأفكار وأدنسها وأفجعها، وكيف نعلل أمره حزقيال بأن يأكل السحاء. وأن يوثق نفسه ويبقى مضطجعا تسعين يوما على الجانب الأيسر، وأربعين يوما على الجانب الأيمن، وأن يأكل خبزه مغطسا ببرازه؟ كيف نعلل أمره أحد أنبيائه بأن يعقب طفلا من مومس، وأن يضاجع امرأة متزوجة سبق لها ارتكاب الخيانة" ؟
ويخلص فولتير إلى القول: "كلا إن التوراة لا توحي بأنها كتاب أملاه الله، بل توحي بأنها كتاب وضعه "سكير جاهل في مكان من أمكنة السوء" !
ويقول عن الإنجيل: "إن حظه من الاحتمال العقلي ليس بأوفر، فالأناجيل ليست متكاملة فيما بينها، بل تتناقض وتتعارض، ولا نجد فيها نفس الأنساب، ولا نفس المعجزات، ولا ذات الأقوال، ولا ذات الأفعال. كان لا بد من تجميل الوقائع استهواء للجماهير! فجملها بعضهم بشكل! وبعضهم بشكل آخر! وإلا لما أقنعوا أحدا!(...)
لكن "ليس هذا أسوأ ما في الأمر،فقد أخذ كل من الكنيسة والآباء المقدسين على عاتقهم أن يجعلوا الديانة المسيحية أقل تماسكا، إلا أنهم هم الذين يدعوننا إلى الإيمان بالثالوث الأقدس، الأمر الذي يشكل سانحة لمجادلات دامية، ولكن لا توجد كلمة واحدة عن ماهية هذا الثالوث، لا في التوراة! ولا في الإنجيل! إنما تبحثه مؤلفات الأفلوطينيين الحديثين، وهم الذين يعرضون قانون الإيمان على أنه المبدأ الذي أملاه الحواريون. ولكن هذا النص لم يدون إلا في عهد جيروم!!! أي بعد انقضاء أربعمائة سنة على معاصري يسوع المسيح!!! وهم الذين يؤكدون عصمة المجامع المقدسة عن الخطأ!!! ولكن هذه المجامع على غير وفاق!!! (…)
حقا، إن المسيحية تطلب إلينا أن نصدق ما هو مخالف للعقل وغير قابل للتصديق. بل ليس بالمحتشم، ولا بد لنا كيما نعتبر أساطيرها كأشياء طبيعية، أن نتحلى بإدراك يخالف إدراكنا تمام المخالفة" !
وعندما نستحضر دور الإسرائيليات في التفسير والأحاديث الضعيفة والموضوعة، نستحضر دور الفكر الديني المسيحي لدى المتصوفة في جميع مراحل التصوف،، مع الإشارة إلى أن الفكر الديني اليهودي والفكر الديني المسيحي مشبعان بظلاميات وضلاليات كما أوضح فولتير. وفي الوقت ذاته مشبعان بالغنوصية الشرقية على مستوى المعتقدات والعبادات،، نقصد بالتحديد حضور البوذية والهندوسية والصابئية، والمجوسية فيهما مطعمة بنظرات فلسفية إسكندرانية من توقيع فلاسفة يهود ومسيحيين مؤسسين لما يعرف بالأفلاطونية المحدثة في قلب أرض الكنانة.
فبروز الرحبان والرهبان شكل المصدر الخام والأرحام المعدة لحمل جينات طفيلية من شأنها أن تشوه كل ما هو جميل ومنطقي مواكب للفطرة الإنسانية السليمة في الدين. إذ ظهرت الصوامع والسياحات والميل إلى الخلوات الممهدة للأديرة التي تمارس بين جدرانها الرهبنة بصورة جماعية! وهي عبارة عن مجمع لرجال دين مقدسين، تخلوا عن الزواج والمال والجاه، وعن كل ما هو دنيوي مرغوب فيه شهي لذيذ. فأقبلوا على ربهم مخلصين له الدين كما يزعمون! باحثين عن الخلاص من خلال تعذيب النفس، دون أن يكون ما التزموا به من تعذيبها مكتوبا عليهم بنص. معتمدين في المتاع الدنيوي الذي لا مناص لهم من الاستعانة به على الهبات والأعطيات. وهو ما سوف يعتمد عليه في الإسلام لاحقا أولئك المنقطعون إلى العبادة في الدور أو التكايا أو الخوانق أو الزوايا!
وبما أن الإسلام قد أوضح مبادئه وتعاليمه في مختلف المجالات توضيحا لا مزيد عليه… فإنه أثناء توضيحه لما كان يلزمه أن يوضحه، كشف عن جوانب من التحريفات التي لحقت اليهودية والمسيحية،، كما كشف عن أهواء وعن قناعات بعينها تشكل خطرا ذا تأثير سلبي هدام. على المؤمنين توقيه في كل وقت وحين.
ولما كان المسلمون على اتصال مباشر وغير مباشر بمختلف أهل الأهواء والملل والنحل. فتبادل التأثير والتأثر والاحتكاك والمجادلة والحوار أمر وارد. فما سيحصل بعد انتشار الإسلام إلى ما وراء شبه جزيرة العرب بينه – كدين جديد – وبين غيره، هو امتداد لما حصل فعلا بينه وبين هذا الغير ذاته والرسول ص على قيد الحياة. فالمجوس والصابئون وأهل الكتاب والمشركون وعبدة الطواغيت أشار إليهم القرآن مرة بالتفصيل، ومرة بالإيجاز، ومرة بالتصريح، ومرة بالتلويح، حتى يتم للإسلام إبراز هويته وهوية أتباعه.
فيدور السؤال المحوري هنا حول ما إذا استطاع المسلمون بعد التحاقه ص بالرفيق الأعلى، الاستفادة من الحصانة التي جسدتها الآيات والأحاديث ضد أي تأثر فاعل سلبي يفسد ويشوه المعتقدات والأخلاق، وكيفيات التقرب إلى الله جل جلاله؟ أم إن المسلمين لم يستفيدوا من تلك الحصانة الموروثة المقدسة إلى الحد المطلوب، فوقعوا لعدم استفادتهم منها في المحظور. هذا الذي لا يتمثل في الاقتناع ببعض مما تم للرسول التحذير منه فحسب، وإنما يتمثل كذلك في الابتداع الذي غاص المبتدعون في لجته، إلى حد يمكن عنده وصفهم بغرقى الضلاليات أو الظلاميات! بحيث إنهم سلكوا مسلك الرحبان والرهبان، فانتهوا مثلهم إلى نتائج، حين تأملها يصاب المتأمل باندهاش أشبه ما يكون بصاعقة! إذ سيجد نفسه لا شك بعد استعادة توازنه النفسي والجسدي أمام معتقدات جديدة،، وأمام كيفيات في التعبد محدثة،، وأمام قناعات وأفكار منسوبة إلى الدين، ما خطرت قط ببال صاحب الرسالة،، ولا خطرت قط ببال أصحابه،، ولا خطرت قط ببال التابعين، ولا خطرت قط ببال كبار العلماء والأئمة والمحدثين!
وعلى إثر هذه التوضيحات التي ألزمت نفسي بتقديمها، أطرح تساؤلات، أرى في صيغها وصورها شحذا للأذهان الصافية المتجردة من إيديولوجيات ومن أفكار مسبقة كي تتم الإجابة موضوعيا عليها، ما دام الأمر يتعلق بهموم يتقاسم ثقلها الغيورون على الحداثة والنهضة، أو التنمية البشرية التي هي الآن بمثابة هدف وطني، من المفروض أن يسعى الجميع بكل ما لديه من مؤهلات إلى تحقيقه.
أقول: ما العلاقة بين الفكر الظلامي المعيق للنهضة المغربية في القديم والحديث، وبين ما قدمته من توضيحات؟ أو لا يمكننا كمثقفين تقدميين واعين موضوعيين وواقعيين مهمومين، أن نسلك نفس مسلك فلاسفة عصر الأنوار – وفي طليعتهم فولتير – فنفضح ما كان قد جرى بالأمس! وما لا يزال يجري من استغلال سلطوي بشع هدام لفكر أشبه بالليل الطويل لدى امرئ القيس الشاعر العربي في معلقته اللامية، إذ تمنى لفرط طوله، ولفرط ثقله على نفسه أن يعقبه فجر وضياء وشروق فقال يخاطبه:
"ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منك بأمثل" !
ثم ألا يمكننا أن نساهم في الإسراع بإتلاف مصادر وأعشاش الفكر الظلامي، ومخلفاته، لتحرير العقلية المغربية التي ما فتئت حتى الآن تتأذى من منتوج خرافي وهمي، ضلالي متخلف رجعي، وراءه معتوهون من مرضى النفوس والعقول بشهادات لا يكلفنا الإمساك بها غير بعض الانتظار الذي لن يطول! إذ علينا تقديم هذه الشهادات، معززة بأدلة دامغة، وببراهين مقنعة؟
إن كنا نحن الآن كمغاربة في عصر الأنوار، فما المانع من القيام بمحاولات جريئة صائبة للانتقال من اعتماد الشموع في الإضاءة إلى اعتماد المصابيح الكهربائية؟ ولماذا تخلفنا عن إنجاز نفس الخطة التي رسمها على عهد الاستعمار ثلة من السلفيين أمثال محمد المختار السوسي،، ومحمد بن العربي العلوي،، ومحمد الحجوي؟ أو لم يوجهوا إلى الضلاليين في معاقلهم ضربات موجعة؟ أو لم تكن نظراتهم صائبة عندما ربطوا الحداثة والعصرنة بالتحرر من الأوهام والخرافات والترهات؟ أم إننا لا نزال متلذذين بالروابط الضلالية التي تربطنا بباحات بويا عمر،،! وأحمد بنعاشر! وعبد السلام بن مشيش! وإدريس الأكبر والأصغر.! وأبي يعزى! وأبي شعيب الدكالي! وأحمد بن موسى السوسي! والزنديق أحمد التجاني! وسبعة رجال مراكش؟
ففي سياق القبورية والاتجاه صوب الشرك وما حوله، وجدنا القرآن الكريم يستنكر تقديس الأحجار والأشجار، بما فيها البقع والأضرحة وأصحابها والقيمون عليها، وكمثال على ذلك قوله تعالى في سورة "النجم": "أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى" ! يعني "أفرأيتم هذه الآلهة التي تعبدونها أوحين إليكم شيئا كما أوحي إلى محمد؟ وكانت اللات لثقيف، والعزى لقريش وبني كنانة، ومناة لبني هلال! وقال هشام: فكانت منات لهذيل وخزاعة. فبعث رسول الله ص عليا رضي الله عنه فهدمها عام الفتح" !
ونفس المصير عرفته معبودات غيرها بفضل انتشار الإسلام من شبه جزيرة العرب إلى ما وراءها من بلدان، سعد أهلها باعتناقهم للدين الجديد الذي أتى به النبي الخاتم ص.
إن الأمر إذن لم يقف عند حد استنكار القرآن لتقديس الأحجار والأشجار لاعتبار تقديسهما من باب الشرك – وتقديسهما جار به العمل عندنا حتى الآن في جهات عدة – وإنما أدان سبحانه ولعن كل مساهم في دعم الظلاميات ومحدثيها أو مبتكريها. فعن علي بن أبي طالب قوله: "حدثني رسول الله ص بأربع كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض" ! يعني أن لعنة الله جزاء من يذبحون لغير الله في البقع المقدسة الموهومة كالأضرحة وباحاتها بإطلاق! فكيف لو ذبح فيها، أو أمر بالذبح فيها، أو شجع على الذبح فيها جهابذة الحكام والسلطات، في مغرب ما بعد الاستعمار! وفي مغرب الاستعمار! وفي مغرب الاستقلال والحرية والديمقراطية والتقدم والحداثة والعصرنة المزعومة العرجاء؟
ثم إن الاستعاذة والاستغاثة بغير الله شرك! فالاستعاذة هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر. لا الالتجاء إلى غيره والاعتصام به، كشأن زوار أضرحة الصالحين زيارة بدعية ممقوتة محرمة! أما الاستغاثة فطلب الغوث، والفرق بينها وبين الدعاء، أنها لا تكون إلا من المكروب، والدعاء أعم من الاستغاثة، لأنه يكون من المكروب وغيره، إنما على أساس أن لا يستغيث المسلم بغير ربه، وأن يدعوه هو وحده لا غيره، بدليل قوله تعالى: "ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك، فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين" ! إذ العبادة لا تصلح إلا لمالك الضر والنفع، ولا يملك ذلك ولا شيئا منه غيره سبحانه! سواء في حياته أو بعد مماته! وليس هناك "أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة" ! وإلا فمن ذا الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء عنه بين مآت المقبورين الذين تذبح عند عتبات أضرحتهم وقبابهم القرابين وتقدم النذور؟
فكل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعا من الإلهية مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني أو أغثني، أو ارزقني، أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال. فكل هذا شرك وضلال يستثاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل. فإن الله سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ليعبد وحده لا شريك له، ولا يدعى معه إله آخر. والذين يدعون مع الله آلهة أخرى، مثل المسيح والملائكة والأصنام، لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق أو تنزل المطر أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدونهم، أو يعبدون قبورهم، أو يعبدون صورهم. يقولون "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" . ويقولون: "هؤلاء شفعاؤنا عند الله" . فبعث الله سبحانه رسله تنهى عن أن يدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة" !
فكيف يصبح لدينا أولياء – وجلهم مبتدعة – يستغاث بهم أحياء وأمواتا على حد زعم جلاوزة الفكر الظلامي وحماته؟ وكيف يتيح المغاربة للقيمين على الأضرحة فرص تناول المال الحرام في وضح النهار؟ وكيف يتيحون لهم تلك الفرص وفيهم اليوم كتاب وشعراء، وفنانون،، وفلاسفة، وأطباء،، وصيادلة،، ومهندسون، وقانونيون، ومفكرون، وعلماء ممثلون داخل المجلس العلمي الأعلى، وداخل المجالس العلمية الجهوية؟ هل لدى أي واحد من المغاربة دليل من النقل والعقل يفيد بأن بناء الأضرحة من السنة؟ وأن زيارة المدفونين بها من قول الرسول أو من فعله؟ وأن الذبح عندها والتوسل بأصحابها من صميم الدين الإسلامي الحنيف؟
لنترك تساؤلاتنا صيحة طنينها لا شك فاعل فعله، ولنشر في سياق الفكر الظلامي إلى تحريم الإسلام للاشتغال بالسحر، وما جرى مجراه كالعيافة والطرق والطيرة،، والكهانة والعرافة.. إلى حد قوله ص: "من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد ص" ! فضلا عن محرمات أخرى تتفاوت درجة التحذير من تعاطيها والترويج لها، ومدها بما يتيح لها الاستمرار والانتعاش، دون أن أضطر هنا إلى عرضها، وبالتالي لبسط الكلام عنها إبرازا لخطورتها وأثرها السلبي على الأمة المغربية بكاملها!
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك