أنتلجنسيا المغرب: حمان ميقاتي/م.كندا
يفضح التسريب الجديد واحدة من أخطر حلقات التغلغل الصيني داخل
الخليج، بعدما كشف أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية كانت على علم بوجود عسكري صيني
داخل مدينة زايد العسكرية منذ سنة ألفين وعشرين، أي قبل انتشار خبر “المنشأة
الصينية السرية” بعامين كاملين، لكنها اختارت الصمت رغم حساسية المعطيات التي
توصلت إليها، وهو صمت يطرح أسئلة عميقة حول حجم المجاملة السياسية التي مُنحت
للإمارات، وحول تقدير واشنطن لحجم الاختراق الصيني وهي ترى أبوظبي تسمح لقوة
منافسة بالتمدد في موقع متقدم وحساس من الناحية الجيوستراتيجية.
وتبرز خطورة التسريب حين يُكشف أن وفدًا أمريكيًا مُنع من دخول
جزء من المنشأة خلال زيارة رسمية، وهو ما دفع واشنطن إلى فتح تحقيق داخلي خلص إلى
وجود عناصر من جيش التحرير الشعبي الصيني في قلب العاصمة أبوظبي، الأمر الذي
اعتبرته المؤسسات العسكرية الأمريكية تهديدًا مباشرًا لأنها ترى في وجود كتائب
صينية قرب قاعدة الظفرة محاولة مكشوفة لاعتراض الإشارات ورصد التحركات الجوية
واللوجستية الأمريكية في الخليج، بما يشبه وضع عين إلكترونية للصين داخل العمود
الفقري للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
وتفيد التفاصيل المسربة أن الإمارات، ورغم التحذيرات الأمريكية
العلنية والسرية، سمحت باستئناف العمل في المنشأة بعد توقف تمويهي سنة ألفين وواحد
وعشرين، حيث أعيد تشغيل المشروع في الخفاء وفق ترتيبات جديدة تم تصميمها لتفادي
الرصد الأمريكي قدر الإمكان، في خطوة تعكس تصميمًا إماراتيًا على مواصلة المسار
رغم التهديدات غير المباشرة التي لوّحت بها واشنطن بشأن مستقبل التعاون الأمني بين
البلدين.
وتتعمق الشبهة حين تظهر مناورات عسكرية مشتركة بين الإمارات
والصين في منطقة شينجيانغ، وهي مناورات لم تكن مجرد عرض عابر، بل رسالة تؤكد
انتقال العلاقة بين الطرفين من مستوى الشراكات الاقتصادية إلى مستوى المناورات
العملياتية، وهو ما يعني أن التعاون لم يعد قائمًا على الواجهة التجارية فقط، بل
بات يلامس صميم الحس الأمني والعسكري في منطقة تُصنف ضمن أكثر المناطق حساسية على
مستوى الصراع بين القوى الدولية.
ويكشف التسريب أيضًا عن نقل شركة إماراتية تكنولوجيا حساسة إلى
الصين، ساهمت في تطوير صواريخ متقدمة، وهو تطور بالغ الخطورة لأنه يتجاوز حدود
المناورات إلى مجال نقل القدرات، وهو المجال الذي ترى فيه الولايات المتحدة خطًا
أحمر، إذ تعتبر أن أي مساعدة تقنية تمنح لبكين تمثل تعزيزًا لمنظومة التهديد
الموجهة ضدها، خصوصًا في ظل الصراع المتصاعد على التفوق الصاروخي والذكاء الصناعي
العسكري.
والمثير في التسريب أن واشنطن كانت تدرك كامل الصورة لكنها
واصلت التعامل مع الإمارات بوصفها حليفًا استراتيجيًا في ملفات لا تحتمل المجاملة،
مثل الطاقة والممرات البحرية والاستخبارات المشتركة ومكافحة الإرهاب، رغم أن
مسؤولًا أمريكيًا رفيعًا صرح بوضوح أن الإمارات لن تكون مخلصة للولايات المتحدة،
وهو تصريح يعكس حجم الشرخ الذي بات يتوسع بين الطرفين تحت وقع الازدواجية
الإماراتية التي تجمع بين شراكة معلنة مع واشنطن وتحالف خفي مع بكين.
وتؤكد الوثائق أن ما ظهر
ليس سوى بداية كشف شبكة نفوذ عسكرية وتقنية تعمل بين أبوظبي وبكين منذ سنوات، شبكة
تتجاوز المنشآت والمناورات إلى مشروع صامت يهدف إلى تغيير موازين القوة في الخليج،
ويجعل الإمارات حجر الارتكاز الأهم للوجود الصيني في المنطقة، وهو ما ينذر بمرحلة
جديدة يعاد فيها رسم خريطة التحالفات تحت ضغط الصراع الأمريكي الصيني الذي خرج من
آسيا وبدأ يتمدد إلى قلب الشرق الأوسط.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك