أنتلجنسيا المغرب: حمان ميقاتي/م.كندا
تدفق عشرات الآلاف من المتقاعدين
الفرنسيين إلى الشوارع في مشهد غاضب نادر، بعدما دعاهم الاتحاد العام للعمال وأكبر
النقابات العمالية إلى الاحتجاج على مشروع ميزانية حكومة سيباستيان لوكورنو لعام
2026، ومشروع قانون تمويل الضمان الاجتماعي الذي اعتبروه تهديدًا مباشرًا
لمكتسباتهم التاريخية.
في قلب العاصمة باريس، امتدت المسيرة
من أمام مجلس الشيوخ إلى ساحة لينزانفاليد كأنهار من الغضب الهادئ، يعلوها صوت
جماعي واحد "لسنا أبقارا حلوبا"، في رسالة تذكّر الدولة بأن كبار السن
ليسوا مجرد أرقام في دفاتر الحسابات.
المتقاعدون الذين أفنوا حياتهم في
بناء فرنسا الصناعية والاجتماعية، وجدوا أنفسهم اليوم أمام حكومة تسعى إلى سد
العجز المالي من جيوبهم، فرفعوا شعارات تطالب بالكرامة قبل الخبز، وبالعدالة قبل
الأرقام.
على الرغم من تراجع لوكورنو عن قرار
تجميد المعاشات، فإن التخبط والغموض في تمويل إصلاح نظام التقاعد ما زالا يثيران
الريبة، خاصة مع رفض مقترحات فرض الضرائب على شركات التأمين الصحي وخفض فهرسة
المعاشات، ما يعني أن عبء الإصلاح سيتحمله الضعفاء.
وما أثار المخاوف أكثر هو ما يسمى
بـ"السنة البيضاء"، وهي خطة لتجميد الإنفاق الاجتماعي عند مستويات عام
2025، بما يعني تجميد القيم الشرائية لملايين الأسر التي تعيش على دخل التقاعد
وحده.
الحكومة تبرر هذه الإجراءات بضرورة
تقليص العجز العام الذي تجاوز 5% من الناتج المحلي، لكنها في الوقت نفسه تغض الطرف
عن الثروات الكبرى التي لا تمسها يد التقشف، في تكرار لمعادلة اجتماعية مائلة لطالما
أثارت الغضب في فرنسا.
تقرير وزارة الصحة أشار إلى أن أكثر
من 17 مليون شخص يستفيدون من أنظمة التقاعد، معظمهم من الفئات ذات الدخل المحدود،
مما يجعل أي مساس بمعاشاتهم تهديدًا مباشرًا للاستقرار الاجتماعي في البلاد.
في مقدمة المسيرة، هاجمت الأمينة
العامة للاتحاد العام للعمال، صوفي بينيه، تصريحات لوكورنو واعتبرتها منفصلة عن
واقع المتقاعدين الذين لا يملكون ثروات، مؤكدة أن الحكومة اختارت الطريق الأسهل:
تحميل الفقراء ثمن فشل السياسات الاقتصادية.
اللافتات التي ارتفعت في باريس حملت
رسائل حادة: "كفى استغلالًا للمتقاعدين" و"حالة طوارئ
اجتماعية"، بينما كانت الوجوه التي علتها التجاعيد تروي قصة كفاح طويل ضد
التهميش وضد سياسة تحاول إسكات صوت الشيخوخة الكريمة.
آنيك، متقاعدة سبعينية، قالت بصوت
مرتجف للصحفيين "كل مرة يريدون فرض ضرائب جديدة، نكون نحن الضحايا"،
مشيرة إلى أنها قد تضطر إلى التخلي عن بطاقة التقاعد إن استمرت الحكومة في نهجها
الحالي.
وتؤكد الإحصاءات أن النساء يمثلن أكثر
من نصف المتقاعدين في فرنسا، بمتوسط معاش لا يتجاوز 1600 يورو، ما يجعل أي تخفيض
أو تجميد في المعاشات ضربة موجعة لفئة تعاني أصلًا من تفاوت الأجور والفقر الهيكلي.
أما النقابات فترى أن ما يحدث اليوم
ليس مجرد صراع مالي، بل هو معركة كرامة، فالمتقاعدون لا يريدون صدقات، بل يريدون
الاعتراف بجهودهم كعصب اقتصادي واجتماعي حمى فرنسا لعقود، ولذلك تعالت الأصوات في
ساحة لينزانفاليد لتقول بوضوح: "كرامتنا ليست بندًا في ميزانيتكم".
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك