
بقلم: إدريس زويني
تواجه أوروبا اختبارا استراتيجيا حاسما. التحركات العسكرية الروسية والردود الأوروبية تفتح نقاشًا حول مستقبل الأمن القاري، وسط مخاوف من تصعيد نووي وانقسام داخلي حول حجم الإنفاق الدفاعي المطلوب.
التصعيد تحت العتبة واستنزاف الخصم
حققت القوات الأوكرانية تقدّما على الأرض، لترد موسكو
بخطوات رمزية لكنها استراتيجية: اختراقات جوية فوق أجواء إستونيا وبولندا، ما
اعتبرته وارسو انتهاكا صارخا للقانون الدولي واختبارا لقدرات الردع الدفاعي
للناتو. تعرف هذه التحركات بالتصعيد تحت العتبة، إذ تهدف روسيا إلى استنزاف الخصم
دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة.
ومع ذلك، يظل الخطر قائما، خصوصا مع تصاعد المخاوف من انزلاق أي مواجهة إلى حرب نووية لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
الانقسام الأوروبي والنهج الإسباني
تتباين المواقف داخل أوروبا حول حجم الاستجابة العسكرية.
دول البلطيق وبعض دول أوروبا الغربية دعت إلى تعزيز الإنفاق الدفاعي والردع
المباشر، بينما التزمت إسبانيا برفع الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي
الإجمالي، بعد حصولها على إعفاء من هدف 5% المحدد من قبل الناتو، بما يسمح لها
بالوفاء بالتزاماتها .
وفي الوقت نفسه، تشدد الخارجية الإسبانية دائما على وقوفها الصريح إلى جانب أوكرانيا، مؤكدتا أن الهجمات الروسية المستمرة منذ ثلاث سنوات لا مبرر لها، وأن إسبانيا ستواصل دعم الديمقراطية والمساواة والتعددية. يعكس هذا المزيج بين التحفظ العسكري والالتزام السياسي نهج مدريد القائم على دعم المبادئ دون التصعيد المباشر.
تحذيرات أمريكية وبريطانية لموسكو
واشنطن عبرت عن تحول واضح في خطابها تجاه الكرملين، مؤكدة على رد صارم إذا اقترب الخطر من حدود روسيا. أما الخارجية البريطانية، فقد وصفت تحركات موسكو بالمتهورة، محذرة من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى مواجهة مفتوحة بين الناتو وروسيا.
أوروبا بين إعادة النظر ومعاهدة جديدة؟
تتزايد الدعوات الأوروبية لإعادة النظر في الإطار
القانوني والدبلوماسي للأمن القاري، وربما إحياء فكرة اتفاقية جديدة لضبط
النزاعات. في ظل استمرار التصعيد العسكري وتنامي المخاوف من السلاح النووي، يرى
كثير من المراقبين أن أوروبا مقبلة على اختبار تاريخي يعيد رسم ملامح النظام
الدولي.
هاجس النووي
يعيد القارة إلى منطق الحرب الباردة، حيث يصبح التوازن بين الردع والخوف العامل
المحدد لمسار العلاقات الدولية في المرحلة المقبلة، ويجعل أي قرار سياسي أو دفاعي
خطوة حساسة للغاية قد تحدد مسار القارة لعقود قادمة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك