
أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا
تعيش إيطاليا على وقع ضغوط متشابكة
تعكس عمق الانقسام الجيوسياسي الراهن، إذ كشفت وكالة بلومبيرغ أن حكومة جورجا
ميلوني بصدد دراسة خطط صارمة لتقييد حصص المستثمرين الصينيين في أبرز الشركات
الإستراتيجية، في خطوة تهدف إلى حماية الأمن الاقتصادي للبلاد، وتجنب مزيد من
التوتر مع الولايات المتحدة التي تواصل فرض رسوم جمركية قاسية تزيد من متاعب
الصادرات الإيطالية.
هذا التحول يأتي في سياق أوروبي هش،
حيث تحاول الحكومات إعادة صياغة علاقاتها مع الصين بميزان دقيق يجمع بين المصالح
الاقتصادية والاعتبارات الأمنية، مع الحرص على البقاء في خط التنسيق مع البيت
الأبيض بقيادة دونالد ترامب، الذي يضاعف جهوده لعزل بكين اقتصاديًا وإعادة رسم
موازين القوى في التجارة العالمية.
الإجراءات الإيطالية المرتقبة تستهدف
شركات إستراتيجية ذات حساسية بالغة، وفي مقدمتها شركة "بيريلي" لصناعة
الإطارات التي تملك "سينوكيم" الصينية 37% من أسهمها، وهو ما أثار حفيظة
بكين التي وجهت تحذيرات مبطنة لروما من أن العلاقات التجارية قد تدخل مرحلة من
البرود إن لم يتم التوصل إلى تفاهم ودي.
لكن الضغط الأكبر يأتي من واشنطن، حيث
نبهت السلطات الأميركية الشركة الإيطالية إلى أن إطاراتها المزودة بحساسات
إلكترونية قد تواجه عراقيل في السوق الأميركية، بذريعة مخاطر مرتبطة بجمع البيانات
والتجسس التكنولوجي، ما يضع روما أمام خيار صعب بين الحفاظ على شريكها التجاري
الصيني والاستجابة لشروط حليفها الإستراتيجي الأميركي.
بلومبيرغ أشارت إلى أن الموقف
الأوروبي برمته يتسم بانتقائية واضحة، حيث تسعى العواصم الأوروبية لجذب
الاستثمارات الصينية في قطاعات مثل البطاريات والسيارات الكهربائية والطاقة
النظيفة، في حين تُبعدها بصرامة عن البنى التحتية الحيوية كالموانئ وشبكات
الكهرباء والاتصالات، في محاولة لاحتواء المخاطر الأمنية دون خسارة فرص النمو.
على الجانب الآخر، تكشف أرقام وزارة
الخزانة الأميركية حجم الاحتدام التجاري المتصاعد، إذ بلغت إيرادات الرسوم
الجمركية مستوى قياسيًا جديدًا في يوليو/تموز وصل إلى 28 مليار دولار، بزيادة تفوق
270% مقارنة بالعام الماضي، وهو ما يعكس تصاعد وتيرة الحرب التجارية وتحول الرسوم
إلى أداة قمع اقتصادي لا مجرد ورقة تفاوض.
هذا المشهد، كما تؤكد بلومبيرغ، يعكس
تحولا عميقا في النظام الاقتصادي العالمي، حيث تتجه القوى الكبرى نحو حماية
مصالحها عبر سياسات أكثر صرامة، بينما تجد الدول المتوسطة مثل إيطاليا نفسها
محاصرة بين ضغوط القوى العظمى، في معركة لا ترحم بين العولمة والانكفاء القومي، قد
تحدد مستقبل التجارة والاستثمار لعقود قادمة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك