أنتلجنسيا المغرب:للا الياقوت
تشهد سنة 2025 تغييرات دراماتيكية في خريطة الهجرة العالمية لأصحاب الثروات الصافية العالية، وفق ما كشفه تقرير حديث صادر عن شركتي "هينلي آند بارتنرز" و"نيو وورلد ويلث".
لأول مرة في التاريخ، يُتوقع أن يغير أكثر من 142 ألف مليونير مواقعهم الجغرافية بحثاً عن ملاذات أكثر استقراراً، وضماناً لمستقبل ثرواتهم.
ما كان قبل سنوات ظاهرة محدودة النطاق، تحول اليوم إلى تيار عالمي يعيد تشكيل ميزان القوى الاقتصادية والاستثمارية، ويضع دولاً غير تقليدية في واجهة المشهد المالي العالمي.
المغرب.. مفاجأة التقرير وأمل استثماري جديد
في سابقة هي الأولى من نوعها، دخل المغرب قائمة الدول التي تشهد تدفقات مالية إيجابية من الأثرياء المهاجرين، مسجلاً صافي هجرة قدره 100 مليونير في سنة واحدة فقط. وفق التقرير، فإن هؤلاء الأفراد جلبوا معهم نحو 0.9 مليار دولار أمريكي من الثروات القابلة للاستثمار، موزعة على قطاعات متعددة من ضمنها العقار، المشاريع الخضراء، والتكنولوجيا المالية.
المثير أن المغرب استطاع تحقيق نمو بنسبة 36٪ في عدد الأثرياء خلال العقد الماضي (2014–2024)، ما يجعله ضمن "نخبة الأسواق الصاعدة" التي تستفيد تدريجياً من هذه الهجرة النوعية، رغم أن نسق النمو لا يزال أبطأ من دول مثل الإمارات أو مالطا.
ما الذي يبحث عنه الأثرياء؟ ولماذا يهاجرون؟
يشير التقرير إلى أن الأثرياء باتوا أكثر حساسية للضرائب، والاستقرار السياسي، وسهولة الاستثمار، وحرية حركة رأس المال. لهذا، فإن الدول التي توفر نظمًا ضريبية تنافسية، وبنى تحتية مالية مرنة، وأسواقًا مفتوحة، أصبحت وجهات رئيسية لهم.
فعلى رأس القائمة تتصدر الإمارات العربية المتحدة باستقطاب 9800 مليونير، تليها الولايات المتحدة (7500)، ثم إيطاليا وسويسرا. أما في الشرق الأوسط، فصعدت السعودية بشكل ملحوظ بتدفق 2400 مليونير في سنة واحدة، مدعومة بإصلاحات رؤية 2030، وتحولات اقتصادية عميقة.
وجهات تفقد ثرواتها: أوروبا وآسيا في مرمى "الخروج المالي"
في مفارقة حادة، سجلت المملكة المتحدة أكبر خسارة على الإطلاق في ثروات الأفراد خلال 2025، بتراجع قدره 16,500 مليونير، متبوعة بالصين والهند. عوامل مثل السياسات الضريبية المتشددة، التقلبات السياسية، والقيود على رأس المال، دفعت هذه النخب إلى مغادرة أوطانها، فيما يشبه "نزوحًا اقتصاديًا صامتًا" يعيد توجيه مليارات الدولارات نحو أسواق أكثر مرونة.
تأثيرات اقتصادية تمتد أبعد من مجرد ثروات متنقلة
الهجرة الجماعية للأثرياء لا تنقل فقط رؤوس الأموال، بل أيضًا أنماط استهلاك واستثمار كاملة. من شراء العقارات الفاخرة، إلى تأسيس شركات جديدة، إلى تمويل مشاريع اجتماعية أو تعليمية، غالباً ما يكون لهؤلاء المليونيرات تأثير مضاعف على اقتصادات البلدان المضيفة. كما أن التحويلات المالية التي يواصلون إرسالها إلى أوطانهم الأصلية تشكل موردًا غير مباشر للاقتصادات المحلية هناك.
هل يتحول المغرب إلى مركز مالي إقليمي؟
بينما تستمر موجة هجرة الثروات في إعادة تشكيل التوازنات العالمية، يبرز سؤال محوري: هل ينجح المغرب في ترسيخ موقعه كوجهة جذابة للأثرياء؟
التقرير يلمح إلى أن نجاح التجربة يتطلب تعزيز الشفافية، تحسين مناخ الاستثمار، وتوسيع شبكة الخدمات المالية الذكية. وإذا استطاعت المملكة توظيف هذه التدفقات لبناء أسواق ديناميكية ومستدامة، فإن دخولها في قائمة اللاعبين الجدد على خريطة الثروات لن يكون حدثًا عابرًا، بل تحولًا استراتيجيًا دائمًا.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك