أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
في خطوة وُصفت بالتحول الجوهري في مقاربة قضية الصحراء المغربية داخل إحدى أكثر الدول الداعمة تاريخيًا للطرح الانفصالي، أعلن زعيم أحد أكبر الأحزاب السياسية في جنوب إفريقيا، أن مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب تمثل "مسارًا متوازنًا" يعزز الاستقرار والسلام والتنمية في المنطقة.
هذا التصريح، الذي فاجأ كثيرين في الأوساط الدبلوماسية الإفريقية والدولية، يُعدّ لحظة سياسية فارقة في إعادة تشكّل المواقف داخل جنوب إفريقيا، البلد الذي طالما ارتبط اسمه بدعم جبهة "البوليساريو" والانحياز لأطروحاتها الانفصالية.
نجاح دبلوماسي مغربي ناتج عن وضوح الرؤية الملكية
يأتي هذا التحول السياسي الكبير كتتويج لمسار دبلوماسي مغربي ناجح قاده الملك محمد السادس بحنكة واستباقية، حيث تبنت الرباط نهجًا يقوم على الزخم، والوضوح، والانفتاح متعدد المستويات، مزاوجةً بين الحزم السيادي والتواصل السياسي مع القوى الإقليمية المؤثرة.
وبعيدًا عن الخطاب الشعبوي أو الانفعالي، اختار المغرب تثبيت شرعية موقفه عبر مقترحات عملية ومقنعة، في مقدمتها مبادرة الحكم الذاتي التي باتت تحظى بدعم متزايد من عواصم القرار العالمي، ومن داخل القارة الإفريقية نفسها.
حزب كبير يعيد تشكيل موازين الموقف داخل جنوب إفريقيا
الحزب الجنوب إفريقي المعني بهذه التحولات لا يُعدّ لاعبًا هامشيًا، بل هو من أهم أعمدة المشهد السياسي الداخلي، بحضوره القوي في البرلمان وتأثيره في صناعة القرار السياسي والاقتصادي.
وبالتالي، فإن انفتاحه على المبادرة المغربية للحكم الذاتي، لا يمكن قراءته إلا بوصفه انعكاسًا لنضج في تقدير المصالح الجيو-استراتيجية لجنوب إفريقيا وتطور في فهم الواقع الإقليمي بشمال وغرب القارة.
هذا الانعطاف يعكس كذلك وعيًا جديدًا بأن مساندة الكيانات الانفصالية لم تعد تحظى بالشرعية الأخلاقية أو الواقعية السياسية، بل أصبحت تُثقل كاهل إفريقيا بمشاريع وهمية تقوض التنمية وتكرّس الانقسام.
أطروحة "البوليساريو" تفقد آخر قلاعها الرمزية في القارة
لطالما اعتُبرت جنوب إفريقيا أحد معاقل الدعم الرمزي والسياسي لجبهة "البوليساريو"، واحتضنت في محطات كثيرة خطابًا مناوئًا للوحدة الترابية المغربية.
لكن التآكل البطيء لهذا الموقف يُظهر أن أطروحة الانفصال بدأت تفقد صلابتها حتى داخل “البيئات الحاضنة” تقليديًا لها، في ظل تزايد الأصوات الإفريقية التي ترى في المقاربة المغربية للحكم الذاتي حلًا واقعيًا ومحترمًا لخصوصيات المنطقة وللقانون الدولي.
فشل المشروع الانفصالي، اليوم، لم يعد فقط نتيجة لانتصارات المغرب الدبلوماسية، بل أيضًا نتيجة مباشرة لعجز "البوليساريو" عن تقديم رؤية قابلة للحياة، ولارتباطها المتزايد بأجندات إقليمية تهدد الاستقرار، مما جعل منها عبئًا ثقيلاً على القارة بدل أن تكون رافعة للتحرر كما تدّعي.
هل يؤثر هذا الموقف في تغيير سياسة الدولة الجنوب إفريقية؟
السؤال الجوهري الآن هو: هل ستتأثر باقي الأحزاب السياسية، وبالتالي الموقف الرسمي لجنوب إفريقيا، بهذا التحول الجوهري داخل المشهد الحزبي؟ الجواب لا يمكن أن يكون آنيًا، لكنه مرجّح بشدة.
فالمواقف الحزبية، خاصة حين تصدر عن فاعلين كبار، تؤثر لا محالة في الدينامية الداخلية للسياسة الخارجية، خصوصًا إذا ما تراكمت على شكل موجات متتالية من إعادة التقييم.
وإذا قررت الدولة الجنوب إفريقية لاحقًا الانفتاح على المبادرة المغربية والابتعاد عن مساندة كيان انفصالي متهالك، فإن ذلك سيُشكّل نقطة تحول استراتيجي في ملف الصحراء داخل القارة الإفريقية.
المغرب يُعيد تشكيل الخريطة الإفريقية عبر الذكاء الهادئ
التحول الذي نشهده اليوم هو واحد من مخرجات عقيدة دبلوماسية مغربية جديدة، تتجاوز منطق الاصطفاف الإيديولوجي، وتركز على التعاون الاقتصادي، والتنمية المشتركة، والاستقرار الإقليمي.
وبهذه الرؤية، تمكن المغرب من اختراق أحد أقوى الحصون الداعمة للانفصال في إفريقيا، ليس فقط بالمنطق السياسي، بل بمنطق المصلحة المتبادلة والاستشراف الواقعي للمستقبل.
إنها لحظة فاصلة في تاريخ الصراع الإقليمي حول الصحراء، تؤكد أن المبادرات الجادة والشرعية لا بد أن تنتصر، ولو بعد حين.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك