رغم قرار المنع..المغاربة يقبلون على شراء الأكباش مذبوحة قبيل عيد الأضحى

رغم قرار المنع..المغاربة يقبلون على شراء الأكباش مذبوحة قبيل عيد الأضحى
ديكريبتاج / الخميس 22 مايو 2025 - 20:30 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي

في الوقت الذي دعت فيه السلطات المغربية إلى تعليق شعيرة عيد الأضحى لهذه السنة، تنفيذًا للتوجيهات الملكية الرامية إلى حماية القطيع الوطني من جهة، ومراعاةً للقدرة الشرائية للمواطنين من جهة أخرى، تشهد الأسواق الشعبية وبعض الضيعات الفلاحية، هذه الأيام، حركية غير عادية من نوع خاص.

فقد لوحظ، بشكل لافت، إقبال متزايد من طرف عدد كبير من المغاربة على اقتناء الخرفان مذبوحة وجاهزة، مع "دوارتها"، أي أحشائها، استعداداً لعيد قررت الدولة صراحة عدم إحيائه في شكله التقليدي.

ورغم أن القرار جاء في سياق استثنائي يتمثل في شح الأمطار وتراجع أعداد القطيع بشكل مقلق، ما دفع الملك إلى إصدار تعليمات واضحة بعدم ذبح الأضاحي هذه السنة، فإن سلوك الشارع المغربي بدا متناقضاً، بل صادماً في بعض الأحيان، إذ تزايدت عمليات البيع "الخفي" لأكباش مذبوحة في نقاط مختلفة من البلاد، أغلبها خارج الإطار القانوني.

عودة مظاهر العيد رغم المنع الرسمي

في جولة لمراسلنا بعدد من الأحياء الشعبية بالدار البيضاء وسلا وفاس ومراكش، تبين أن عدداً من الأسر بدأت بالفعل في التحضير لعيد "شبه ممنوع"، حيث يتم اقتناء الأكباش مذبوحة أو على وشك الذبح، وتُخبّأ الأحشاء والرؤوس استعداداً لما أضحى يُسمّى في بعض الأوساط بـ"العيد الرمزي" أو "عيد التقاليد". بل إن بعض الأسواق القروية عادت إلى بيع الفحم والسكاكين وأكياس الملح، رغم تعليمات الداخلية الواضحة بمنع ذلك.

في أحد أحياء العاصمة الاقتصادية، قال تاجر للأكباش المذبوحة: "الناس باغيين يحتافلو، ما كيقدروش يشوفو العيد داز بلا كبش، وهادي عادة ماشي غير شعيرة، الناس كيدبحو رمزيًّا ولا كيعيدو بشي خروف صغير باش يفرحو الوليدات".

التناقض الكبير بين القرار والممارسة

هذا التوجه يطرح عدة أسئلة حول العلاقة المعقدة بين المواطن المغربي ومؤسسات الدولة. من جهة، هناك قرار واضح صادر عن المؤسسة الملكية، دعا إلى عدم ذبح الأضاحي استثنائياً، لاعتبارات موضوعية تتعلق بالحفاظ على الثروة الحيوانية، ومساعدة الأسر على تخفيف أعباء العيد، خصوصاً في ظل أزمة اقتصادية صعبة. ومن جهة أخرى، هناك رد فعل شعبي يبدو وكأنه يسير في الاتجاه المعاكس تماماً.

تفسير هذا التناقض قد يرتبط بعدة عوامل، أولها أن عيد الأضحى بالنسبة للمغاربة ليس مجرد واجب ديني، بل مناسبة اجتماعية وطقسية مترسخة في الوجدان الجماعي. ثانيها أن غياب بدائل رمزية واضحة للاحتفال جعل المواطن يعود إلى السلوك المعتاد، ولو بطرق ملتوية. وثالثها عدم الاقتناع التام من قبل فئات واسعة بجدوى قرار المنع، في غياب تواصل رسمي فعال يُقنعهم بسبب وضرورات القرار.

الأسعار لم ترحم..لكن الإقبال مستمر

الغريب في هذه الظاهرة أن إقبال المواطنين على شراء الأكباش المذبوحة يأتي رغم الارتفاع المهول للأسعار.

فقد وصلت بعض الخرفان المذبوحة إلى أسعار تتجاوز 3000 درهم للكبش المتوسط، بينما تجاوز البعض الآخر 5000 درهم، وهي أرقام تؤكد أن قرار الدولة بتخفيف العبء المالي على الأسر لم يتحقق عملياً.

ويقول أحد المواطنين: "بغيت ندير شي فرحة للوليدات، واش غادي نقول ليهم ما كاين لا خروف لا عيد؟ بغيت غير نصف خروف دابح، والثمن غالي ولكن شنو ندير، العيد ماشي بحالو بلا لحم!"

الدولة في مأزق المراقبة والتنفيذ

التعليمات الرسمية التي منعت مظاهر العيد التقليدية، مثل بيع الفحم وشحذ السكاكين وتنظيم الأسواق المؤقتة، تبدو صعبة التنفيذ على الأرض.

فعدد من نقاط البيع المفتوحة لا تزال تنشط بشكل سري أو عبر وسطاء، مستغلين هامش التساهل أو غياب المراقبة الفعلية.

بل إن بعض "الجزّارين" بدأوا يتلقون طلبات مسبقة للذبح في يوم العيد، رغم أن الذبح نفسه ممنوع.

وهنا يطرح سؤال كبير: هل تمتلك السلطات فعلاً القدرة على مراقبة تنفيذ القرار؟ وهل العقوبات المحتملة كافية لردع هذا السلوك الجماعي المعاكس؟

بين العادة والتكليف..أي مستقبل لشعيرة العيد في المغرب؟

الواقع الحالي يكشف أن مسألة إحياء عيد الأضحى ليست دينية فحسب، بل ثقافية واجتماعية واقتصادية بامتياز.

فالمغاربة لا يحتفلون فقط بذبح الأضحية، بل يربطون المناسبة بكثير من الطقوس المرتبطة بالهوية والانتماء والاحتفال الجماعي.

قرار تعليق شعيرة الذبح كان ضرورياً ومبنياً على مبررات قوية، لكن سلوك المواطنين يكشف عن فجوة كبيرة في الثقة والتواصل، وعن حاجة الدولة لإعادة التفكير في طرق مقاربتها لمثل هذه القضايا الحساسة.

قد تكون هذه السنة محطة تأمل حقيقية حول معنى العيد، حدود الشعيرة، وأشكال التفاعل الاجتماعي، لكنها أيضاً فرصة لفتح نقاش وطني أوسع: كيف يمكن التوفيق بين مصلحة الأمة ووعي المواطن؟









لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك