أنتلجنسيا المغرب:وصال . ل
صُدمت الأسرة الفنية المغربية ومعها
قلوب الجماهير بوفاة الفنانة المحبوبة نعيمة بوحمالة، أيقونة الشاشة التي صنعت
البهجة في زمن البساطة، والتي لم يكن يُذكر اسمها إلا واقترن بالابتسامة والضحك
الآتي من القلب.
منذ لحظة إعلان رحيلها، عمّ الحزن كل
من عرفها عن قرب أو تابعها على الشاشة الصغيرة، فهذه الفنانة لم تكن مجرّد وجه
مألوف في المسلسلات والمسرحيات المغربية، بل كانت روحاً تهيم وسط الناس، تنقل
معاناتهم، بساطتهم، ضحكهم ودموعهم، دون تكلف ولا ادّعاء.
نعيمة بوحمالة ليست مجرد اسم يُضاف
إلى سجل الراحلين، بل هي صفحة من ذاكرة الفن المغربي، الفنانة التي دخلت بيوت
المغاربة بدون دعوة، وكانت ضيفة محبوبة على موائدهم، في لحظات السمر العائلية، وفي
أوقات الحاجة إلى جرعة ضحك صادق لا يخلو من العمق الإنساني.
عُرفت نعيمة بموهبة فريدة، وحنكة
مسرحية لا تُدرّس، بل تُولد مع الفنان الحقيقي، فنانة صنعت مسارها بإصرار، لم تكن
تبحث عن أضواء مصطنعة، بل عن أدوار حقيقية تلامس نبض الناس، وتجعلهم يرون أنفسهم
في مرآة الفن.
الجيل الذي ترعرع على أعمال نعيمة
بوحمالة سيظلّ يتذكر تلك اللحظات التي أبدعت فيها في تجسيد شخصيات نسائية بسيطة،
قوية، هزلية، حزينة، مرحة، متناقضة مثل الحياة نفسها، لكنها دائماً صادقة.
برحيلها، يفقد الفن المغربي واحدة من
ركائزه التي رسّخت صورة الفن النظيف، الكوميديا الهادفة، والتمثيل الذي يخترق
الحواجز ليصل إلى القلب مباشرة. لم تكن فقط "فنانة كوميدية"، بل كانت
فنانة الإنسان المغربي البسيط، الذي يرى في الفن مرآته اليومية.
الشارع المغربي عبّر عن حزنه بفطرة،
شبكات التواصل امتلأت بصورها، بذكرياتها، بمقاطع من مسلسلاتها وأعمالها، كل تلك
التعليقات كانت تقول شيئاً واحداً: "لن ننساكِ يا نعيمة"، وكأن الرحيل
لم يكن كافياً لإغلاق الفصل الأخير من قصة عشق بين فنانة وشعب.
نعيمة بوحمالة رحلت كما كانت في
حياتها، بهدوء، وبدون بهرجة، لكنها تركت خلفها ضجيج الحب، والاعتراف، والدموع،
وذكريات لا تُنسى. صوتها، ضحكتها، نظراتها، ستظلّ محفورة في أرشيف الذاكرة الوطنية.
لم يكن للفنانة الراحلة نصيب كبير من
التكريم وهي حيّة، كما هو الحال مع كثير من المبدعين المغاربة، لكن الجمهور كان
دائماً وفياً، لم ينسَ، لم يتخلّ، واليوم يقف ليقول لها شكراً، رغم الأسى، رغم
الندم على رحيل مفاجئ وغير عادل.
نعيمة كانت من الفنانات القليلات
اللواتي استطعن الجمع بين البساطة الشعبية والاحتراف الفني، بين أداء يُضحكك
ويُبكيك في المشهد نفسه، وبين شخصية محبوبة لم تنجرّ يوماً خلف وهم النجومية
الفارغة.
اليوم، ونحن نودّعها، نحن في حاجة
لوقفة، لنسأل أنفسنا: هل لا زال للفن ذلك المعنى الإنساني الذي جسّدته نعيمة؟ هل
لا زلنا نُقدّر من يُضحّون من أجل رسم البسمة في زمن القلق والإحباط؟ رحيلها يوقظ
فينا أكثر من حزن، يوقظ تساؤلاً وجودياً حول القيمة الحقيقية للفن والفنان في
مجتمعنا.
لن تُعَوَّض نعيمة، فهي من القلائل
الذين حين يرحلون، لا يُمكن ملء الفراغ الذي خلّفوه، لأنها لم تكن مجرّد فنانة، بل
كانت جزءاً من وجدان شعب، ورمزاً من رموز الفن النظيف، والصوت النسائي الصادق وسط
صخب الرداءة.
وداعاً نعيمة بوحمالة، وداعاً يا
فنانة المغاربة، يا من أحببتِ شعبك بصدق، فبادلك هذا الحب بوفاء قلّ نظيره، وداعاً
لضحكة لا تُنسى، ولن تُنسى.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك