أنتلجنسيا المغرب:إلياس طنجة
امتدت ألسنة النيران مساء الأربعاء الخميس
فوق سماء طنجة، بعدما شبّ حريق مهول في سوق "مشلاوة" العشوائي، الذي يضم
عشرات المحلات الصغيرة لتجارة المتلاشيات والمواد المستعملة، السوق، الذي يمثل
موردًا رئيسيًا للعديد من الأسر الفقيرة، تحوّل في دقائق إلى رماد متطاير، وسط صدمة
السكان وعجز واضح عن التصدي للكارثة في لحظاتها الأولى.
وأمام مشهد الدمار الكامل، لم يكن
الغضب الشعبي بحاجة لوقت طويل قبل أن يتفجّر، مُتهمًا جهات مجهولة بتدبير الحريق
ضمن مخطط غير معلن لتفريغ الأرض من أصحابها الشرعيين، أصحاب المشاريع الجاهزة
يقولون.
رغم أن ألسنة اللهب امتدت بسرعة مهولة
بفعل طبيعة المواد القابلة للاشتعال، فإن تأخر تدخل السلطات في بداية الحريق زاد
من عمق الفاجعة، البعض تحدّث عن غياب أي تجهيزات وقائية في السوق، فيما أشار آخرون
إلى تحركات "مشبوهة" سبقت الواقعة بأيام، وهو ما دفع النشطاء على
المنصات الاجتماعية إلى الربط بين الحريق وبين مشاريع التهيئة الحضرية التي تعتزم
الجهات المختصة إطلاقها في المنطقة.
هذه المشاريع، بحسب تعليقات عديدة،
تصطدم بوجود هذه الأسواق غير المهيكلة، وهو ما يجعل من "إحراقها" وسيلة
سريعة للتخلص منها دون تكبد عناء التعويض أو إيجاد بدائل.
وما زاد من تأجيج الغضب، هو أن أغلب
التجار المتضررين لا يملكون وثائق رسمية ولا صفة قانونية تخولهم المطالبة بأي حق،
ليجدوا أنفسهم فجأة في العراء، بلا محلات، ولا دخل، ولا أفق واضح. فهؤلاء الذين
ظلوا لعقود يعيشون على الهامش، وُجهت إليهم ضربة قاسية، لا يعرف أحد مصدرها
الحقيقي، لكن آثارها كانت كافية لتدمير كل ما بنوه من عرقهم طوال سنوات. الحريق،
كما يقول السكان، لم يأتِ فقط على السوق، بل على الأمن الاجتماعي لفئة مسحوقة لا
يلتفت إليها أحد.
السلطات، من جانبها، أعلنت أنها فتحت
تحقيقًا في الواقعة، وسط صمت رسمي خافت لا يرقى لحجم الكارثة، فيما تحركت فرق
الوقاية المدنية والأطقم الأمنية في وقت لاحق للسيطرة على الحريق. لكن مشاعر الشك
ظلت تطغى على المشهد العام، حيث بات الناس يتحدثون عن "نار مقصودة" أكثر
من كونها حادثًا عرضيًا.
النار التي اشتعلت في سوق مشلاوة
تحوّلت إلى نار أكبر في النفوس، تُعيد طرح أسئلة محرجة عن السياسات العمرانية،
وحقوق الناس في مدينتهم، والجهات التي تستفيد من كل هذا الدمار بصمت.
وفيما لا يزال الدخان يتصاعد من رماد
"مشلاوة"، يتصاعد أيضًا غضب اجتماعي محتقن، يرفض أن يُدفن الحريق في
أرشيف "التحقيقات المفتوحة". فالساكنة والتجار يصرون على معرفة الحقيقة
كاملة، وعلى محاسبة المسؤولين، سواء كانوا معلنين أو مختبئين وراء ستار التخطيط
الحضري. النار لم تُطفأ بعد، والمدينة كلها باتت تترقب: من أشعل الحريق؟
ولماذا؟ ومن المستفيد الأكبر من كل هذا الخراب؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك