أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
في رسالة صادمة هزّت أركان الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، أعلنت الحكمة الدولية بشرى كربوبي اعتزالها النهائي للميدان بعد مسار امتد خمسة وعشرين عامًا، موجهة كلمات حادة ومحمّلة بإشارات قوية إلى ما وصفته بـ"ممارسات أربكت المسار وأجهزت على المشروع".
الاعتزال لم يكن مجرد قرار فردي لاسم نسائي تألق قارّيًا ودوليًا، بل صفعة جديدة تكشف عمق الخلل داخل دواليب التحكيم، وتضع فوزي لقجع وهيكلة الجامعة برمتها أمام تساؤلات لم يعد ممكناً تجاهلها.
كربوبي، التي مثلت المغرب في كبريات التظاهرات الدولية وكانت رمزًا لصورة التحكيم النسائي المغربي، خاطبت رئيس الجامعة بلغة واضحة تجمع بين الامتنان والتحذير، مؤكدة أنّ دعم لقجع كان حاضرًا في بداية مسارها، غير أنّ ما عرفته المرحلة الأخيرة تجاوز حدود الخذلان.
فقد أشارت إلى "ممارسات صادرة عن مدير المديرية التقنية للتحكيم وأعضائها"، معتبرة أنها لم تُعطل مسيرتها فحسب، بل "شوّشت على الإنجازات وأجهزت على المشروع" برمته، في اعتراف صريح بوجود اختلالات عميقة داخل المؤسسة المفترض أن تضبط شريان كرة القدم الوطنية.
الرسالة، وإن كانت موجّهة بشكل شخصي إلى لقجع، فإن مضامينها تمثل اتهامًا مباشرًا للمنظومة التي بناها الرجل خلال سنوات إشرافه، وتفتح الباب أمام سؤال جوهري: كيف يمكن لإطار تحكيمي دولي، كان يُقدَّم كنموذج نجاح مغربي، أن يجد نفسه مطاردًا بممارسات تضرب في مبدأ الكفاءة وتسمح للولاءات والضغط الإداري أن يقوضا مسارًا دام ربع قرن؟
فاعتزال بهذا الحجم لا يأتي من فراغ، بل يعكس هشاشة داخلية لا يمكن تجميلها بخطابات الإصلاح أو الادعاء بأن الأوراش مفتوحة.
ولم تخفِ كربوبي ألمها، بل ختمت رسالتها بعبارات ذات حمولة روحية وقانونية، محذّرة من "من وقفوا في طريقها" ومؤكدة أن الحساب الحقيقي "سيكون عند الله"، ما يعكس حجم الظلم الذي شعرت به، وحجم الانهيار الذي أصاب الثقة بين الحكمة وبين المؤسسة التي كان يفترض أن تحميها وتثمّن خبرتها.
إنّ ما حدث ليس مجرد اعتزال، إنه إنذار. كرة القدم الوطنية تعيش منذ سنوات على وقع توترات صامتة داخل التحكيم، مؤسسة يفترض أن تكون ضمانة للعدالة الرياضية، لكنها تحولت، حسب شكاوى عديدة، إلى فضاء تتحكم فيه لوبيات داخلية ومصالح لا تُفصح عن نفسها.
وما أثارته كربوبي علنًا اليوم يضع الجامعة وفوزي لقجع أمام لحظة حقيقة: إما فتح تحقيق شفاف يعيد الثقة للفاعلين، أو ترك الشرخ يتمدد داخل مؤسسة تُعدّ القلب النابض للعبة.
قرار بشرى كربوبي، بكل أبعاده الرمزية والمهنية، يحوّل كرة المسؤولية مباشرة إلى مكتب لقجع، باعتباره المسؤول الأول عن السياسات العامة للجامعة، وعن اختيار من يديرون أهم مديرياتها وأكثرها حساسية.
فهل نعيش أمام بداية تفكيك صامت لمنظومة التحكيم؟ أم أن الجامعة ستكتفي كعادتها ببلاغات التهدئة وترك الزمن يدفن القضايا دون محاسبة؟
الأكيد أن الرسالة لن تمر مرور الكرام، وأن صورة التحكيم المغربي تلقت ضربة موجعة، وأن فوزي لقجع مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بخطوة تصحيحية جريئة تعترف بالأخطاء وتعيد ترتيب البيت الداخلي قبل أن ينهار السقف على الجميع.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك