أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
في الوقت الذي تُعلَن فيه مشاريع ضخمة لاستضافة كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، يعيش المغرب على وقع مفارقة صارخة، حيث مئات الملايين من الدولارات تُنفق على كرة القدم والبنيات الرياضية، بينما تنهار الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم، وتتسع رقعة البطالة والفقر.
في قلب هذه المعادلة يقف رجلان قويان في دوائر القرار: عزيز أخنوش رئيس الحكومة الملياردير، وفوزي لقجع الوزير المسؤول عن الميزانية ورئيس الجامعة الملكية لكرة القدم. كلاهما يمسك بخيوط المال والسلطة، في بلد يُدار بمنطق الرأسمالية المتغوّلة لا بسياسة العدالة الاجتماعية.
عندما تتحول الرياضة إلى واجهة سياسية لتلميع السلطة
منذ إعلان استضافة المغرب لكأس إفريقيا للأمم 2025، بدأ ضخّ الأموال العمومية في مشاريع رياضية ضخمة: ملاعب، فنادق، ومراكز تدريب جديدة. الإعلام الرسمي يحتفي بما يسميه “النهضة الرياضية”، لكن الواقع يكشف عن أولويات مختلّة؛ فبينما تُصرف المليارات على التجميل الخارجي، تعيش القرى والمناطق الهشة في عزلة تامة، محرومة من أبسط الخدمات الأساسية.
كرة القدم لم تعد مجرد رياضة في المغرب، بل أصبحت وسيلة لتثبيت صورة النظام وإبراز “النجاح” الخارجي في ظل إخفاق داخلي متراكم.
ملاعب بمليارات الدراهم ومدارس متهالكة ومستشفيات منهارة
وفق أرقام متداولة داخل وزارة المالية، تجاوزت الكلفة المبدئية لتأهيل الملاعب في مدن الدار البيضاء، مراكش، طنجة، فاس، وأكادير أكثر من 10 مليارات درهم.
وفي المقابل، يضطر تلاميذ في القرى للدراسة تحت خيام أو حجرات طينية، ويُترك المرضى في أروقة المستشفيات العمومية دون علاج أو أدوية.
الصورة صادمة: ملاعب خضراء بواجهات براقة تُعرض على الشاشات، بينما يختفي الواقع الرمادي في الأزقة والمداشر.
فوزي لقجع..رجل المال والكرة والسياسة
يتربع فوزي لقجع على رأس هرم مزدوج: هو الآمر بالصرف في ميزانية الدولة، ورئيس الجامعة الملكية لكرة القدم. هذا الجمع بين السلطتين المالية والرياضية أثار مخاوف من تضارب المصالح، إذ باتت القرارات المتعلقة بالتمويل الرياضي تمر عبر بوابة نفس الشخص.
خصوم لقجع يرون أنه حول كرة القدم إلى أداة دعائية تخدم أجندة سياسية ودبلوماسية، خصوصاً بعد النجاح الرمزي الذي حققه المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022، والذي استُغل إعلامياً لتلميع صورة الدولة وإسكات الأصوات الناقدة.
المغرب يستعد للمونديال على حساب الجائعين
التحضيرات لكأس العالم 2030 تجري بوتيرة متسارعة. مشاريع ضخمة تُطلق في كل جهة، أبرزها ملعب الدار البيضاء الجديد بميزانية تناهز 5 مليارات درهم، إضافة إلى تحديث البنيات الطرقية والمطارية والفندقية.
لكن الكلفة الاجتماعية لهذه المشاريع باهظة: ارتفاع الأسعار، ضعف الخدمات، وتفاقم البطالة بين الشباب الذين لا يرون في “المغرب الجديد” سوى واجهة براقة تُخفي هشاشة بنيوية عميقة.
منظمات المجتمع المدني تُحذّر من أن “الاستثمار في الملاعب لا يصنع تنمية، بل يصنع وهماً جماعياً بالازدهار”.
أخنوش وحكومة الرأسمالية المتغوّلة
منذ تولي عزيز أخنوش رئاسة الحكومة، تعمّق الشعور بأن القرار الاقتصادي أصبح رهينة بين أيدي رجال الأعمال. السياسات العمومية تُصاغ لخدمة مصالح ضيقة لطبقة برجوازية متحالفة، في حين تُترك الطبقات الوسطى والفقيرة تواجه أعباء الغلاء والبطالة.
حكومة أخنوش تُراهن على الصورة الخارجية أكثر من العدالة الداخلية: بلد يُسوّق كـ“قوة صاعدة”، بينما يعيش المواطن البسيط في صراع يومي لتأمين لقمة العيش.
كرة القدم... الأفيون الجديد للمغاربة؟
يرى محللون أن النظام يستخدم كرة القدم كوسيلة فعّالة لإلهاء الشعب عن أزماته الحقيقية. فكلما ارتفعت موجة الغضب الشعبي بسبب الأسعار أو البطالة، جاء انتصار كروي ليعيد البهجة المؤقتة ويُسكِت الأصوات الناقدة.
“كرة القدم صارت سلاحاً سياسياً ناعماً”، يقول أحد الباحثين، “تُستعمل لخلق شعور زائف بالانتصار الوطني في بلد تتراجع فيه مؤشرات التنمية عاماً بعد عام”.
وطن يحتاج مستشفى قبل ملعب
قد يحق للمغاربة أن يفرحوا بانتصارات المنتخب، لكن فرحتهم لن تكتمل ما دامت مستشفياتهم منهارة ومدارسهم متهالكة وشبابهم بلا أمل.
فالمغرب الذي يصرف المليارات على الملاعب دون أن يوفر سريراً لمريض أو مقعداً لتلميذ، لا يبني مجداً رياضياً، بل يكرّس اختلالاً أخلاقياً واقتصادياً خطيراً.
ويبقى السؤال مفتوحاً أمام التاريخ: هل يريد “مغرب المخزن وأخنوش” صناعة بطولة حقيقية...أم صناعة وهمٍ كبير فوق أنقاض العدالة الاجتماعية؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك