أنتلجسيا المغرب:الرباط
أن تستعد لصلاة الجمعة ليس فقط بالثوب
النظيف والعطر الطيب، بل بالغسل الكامل والنية الصافية، هو أمر يجعل من هذه
اللحظات فرصة ثمينة لمغفرة تتنزل من السماء. ليست الطهارة مجرد فعل آلي، بل عبادة
تسبق عبادة، ومفتاح لقبول صلاة هي من أعظم الصلوات عند الله.
من يغتسل للجمعة كما أمر النبي صلى
الله عليه وسلم، فإنما يغتسل من ذنوبه قبل أن يغتسل من عرقه. فالغسل في هذا اليوم
عبادة قائمة بذاتها، يستحب فيها تعظيم اللحظة والتزين لها كما يتزين المؤمن للقاء
ملك عظيم، لأن الجمعة موعد لقاء مع الرحمن.
الجمعة ليست مجرد تجمع أسبوعي، إنها
عيد المسلمين الأسبوعي، يوم تتنزل فيه الرحمات وتغلق فيه صحائف الأعمال انتظاراً
لصعودها في أبهى صورة. ومن أعظم ما يزين هذه الصحائف، أن يكتب فيها: "عبدٌ
تطهر وتزين وأتى إلى بيت الله بخشوعٍ وقلبٍ خالص".
الاغتسال للجمعة سنّة مؤكدة، بل يرى
بعض العلماء أنه واجب لمن حضر الخطبة، لما في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه
وسلم: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم". فكيف لمن يرجو رحمة ربه
ويخشى عقابه أن يفرّط في هذا الفضل العظيم؟
أداء الغسل ليس مجرد صب ماء، بل لحظة
تصفية روحية وبدنية. من تعوّد أن يجعل للجمعة هيبتها، لن يغادر بيته إلا وهو يشعر
أنه يتوجه إلى مقام عظيم، لا يقل عن تهيؤه للوقوف بين يدي الملك يوم القيامة.
وحين تكون طاهراً، متعطراً، متهيئاً
للقاء الله في بيت من بيوته، فإنك تدخل المسجد في هيئة المحبوبين، وتجلس في صفوف
الملائكة التي تكتب أسماء الداخلين واحداً تلو الآخر، حتى تصعد المنابر ويبدأ
الخطيب في الكلام.
من غسل بدنه ونوى بطهارته وجه الله،
غسلت ذنوبه معه. وإن كان الجسد يتجدد بالماء، فإن الروح تتجدد بالتوبة والنقاء،
ولا وقت لذلك أنسب من صباح الجمعة، حيث الصفاء يلتقي بالرجاء.
والطهارة لا تقف عند الجسد، بل تتعداه
إلى الثوب، والرائحة، والنفس. كيف تلبي نداء الحق وأنت تحمل فيك ما ينافي قدسية
المكان والزمان؟ لا تستهين بالعطر، فهو عبادة صامتة تُرضي الملائكة وتشرح صدر
المصلين من حولك.
صلاة الجمعة ليست كباقي الصلوات، إنها
جامعة مانعة، تجمع الناس وتمنع الذنوب. والخطبة فيها درس إيماني، من دخلها نظيفاً
خرج منها أطهر، ومن جلس فيها منصتاً كُتب له الأجر الكامل، ومن حضرها في أول الوقت
فكأنما قرب قرباناً عظيماً.
التهيؤ للجمعة بتبكير الغسل ولبس أنظف
الثياب والسكينة في الطريق إلى المسجد، هو سلوك من يفهم عمق العبادة، لا من يركض
إليها ركضاً. فالجمعة ليست للحاق، بل للسبق، والمبكر فيها كمن قدم لله هدية، وله
بكل خطوة أجر صيام وقيام.
والطهارة ليست للجمعة وحدها، لكنها في
هذا اليوم تظهر أبهى ما يكون، فهي عنوان احترام العبد لربه ولنفسه ولإخوانه في
الصف. ولو تأملت حال النبي وأصحابه، لرأيت أنهم كانوا يتهيؤون لها كما يتهيأ المحب
للقاء حبيبه بعد طول غياب.
إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى
أثر نعمته على عباده. فلا تكن من الغافلين الذين يظنون أن الصلاة تقبل دون تهذيب
أو احترام، بل كن من الذين يعرفون أن الطهارة الحسية والروحية مدخل لقبول الأعمال
كلها.
ومن لم يغتنم يوم الجمعة في توبة
وطهارة، فقد ضيع موسماً من مواسم الخير، وعطلاً فيضاً من الرحمات. فاحرص أن يكون
لك فيه نصيب، وأن تدخل فيمن قيل فيهم: "غفر له ما بين الجمعة والجمعة وزيادة
ثلاثة أيام".
الجمعة فرصة أسبوعية لا تعوض، فيها
دعوة مستجابة وساعة لا يرد فيها سؤال. فليكن يومك مختلفاً، يبتدئ بغسل وتوبة،
ويختم بصلاة وطمأنينة، بينهما ذكر ومغفرة، وجوارح نظيفة تستعد لأسبوع جديد بنَفَس
إيماني نقي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك