أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
في سابقة سياسية لافتة، فجّر نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء في حكومة عزيز أخنوش، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، بعدما صرح خلال نشاط حزبي أن الحكومة لم تفِ بوعودها، خاصة في ملف التشغيل، مما فتح الباب على مصراعيه لتساؤلات مشروعة حول مدى تماسك الأغلبية الحكومية، ومستقبل العلاقة بين مكوناتها الثلاث: التجمع الوطني للأحرار، الاستقلال، والأصالة والمعاصرة.
هذا التصريح الذي وصفه بعض المراقبين بـ"الزلزال السياسي"، يُعتبر خروجا عن قاعدة التضامن الحكومي، وإعلانًا غير مباشر عن تصدّع داخلي، قد ينعكس على أداء الحكومة خلال الشهور المقبلة، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الجزئية والضغوط الاجتماعية المتصاعدة.
تصريح نزار بركة.. غضبة أم استراتيجية؟
جاء تصريح نزار بركة خلال تجمع حزبي بمدينة تطوان، حيث قال بوضوح:
"الحكومة وعدت بتشغيل 250 ألف شاب في إطار برامج الأوراش، لكنها لم تحقق سوى جزء بسيط من هذا الهدف... يجب قول الحقيقة للمغاربة."
وقد أُرفق هذا التصريح بنبرة انتقادية لنهج التدبير الحكومي لبعض البرامج الاجتماعية، وهو ما اعتبره عدد من المتتبعين تعبيرًا عن ضيق حزب الاستقلال من تموقعه داخل التحالف الحكومي، خاصة في ظل هيمنة حزب الأحرار على القرار التنفيذي، وغياب التوازن في توزيع الأدوار السياسية داخل التحالف.
فهل كان تصريح بركة رسالة سياسية موجهة لرئيس الحكومة؟ أم تمهيدًا لموقف حزبي قد يتطور في قادم الأيام؟
تساؤلات حول الانسجام الحكومي
تأتي هذه التطورات لتعيد للواجهة سؤالًا كان يُطرح خجولًا منذ تشكيل الحكومة سنة 2021:
هل فعلاً الأغلبية الحكومية منسجمة؟ أم أن التحالف قائم فقط على ضرورات عددية وليس على رؤية سياسية موحدة؟
المؤشرات المتراكمة في الشهور الأخيرة تشير إلى احتقان صامت داخل الأغلبية، خاصة في ما يتعلق بمواقف حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة إزاء بعض الملفات الاجتماعية والاقتصادية التي يدبرها حزب الأحرار.
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي عبد الصمد بلكبير:
"ما قاله نزار بركة هو غيض من فيض. الانسجام الحكومي هو شعار أكثر مما هو واقع. هناك اختلافات عميقة في المرجعيات السياسية، وفي أسلوب التدبير، وخاصة في توزيع النفوذ داخل الحكومة."
الأزمة الخفية: الاستقلال في موقع المُحرج
يرى متتبعون أن حزب الاستقلال يعيش تناقضًا داخليًا حادًا بين موقعه في الحكومة ومسؤوليته التاريخية كحزب وطني له امتداد شعبي، وبين التزامه بمواقف الأغلبية التي تواجه انتقادات شعبية متصاعدة بسبب ارتفاع الأسعار، وغياب فرص الشغل، واحتجاجات الأساتذة والأطر الصحية.
وقد سبق لبعض قيادات الحزب أن أبدوا امتعاضًا، ولو بشكل غير مباشر، من "الجمود" الذي يعرفه العمل الحكومي، ومن عدم إشراك الاستقلاليين في اتخاذ القرارات الكبرى، وهو ما يجعل تصريح بركة اليوم بمثابة خروج عن الصمت أو "جرس إنذار" داخلي.
الشارع المغربي.. وفقدان الثقة في البرامج الحكومية
يأتي هذا "الزلزال السياسي" في سياق اجتماعي مضطرب، حيث يعبر المواطن المغربي، وخاصة الشباب، عن استياء واسع من فشل الحكومة في الوفاء بوعودها، خاصة في ملفات التشغيل والسكن والتعليم.
برنامج "أوراش" الذي رُوّج له كأحد الحلول لبطالة الشباب، لم يحقق الأهداف المرجوة، حسب تصريحات بركة نفسه. كما أن برامج أخرى كـ"فرصة" و"المدن بدون صفيح" و"الحماية الاجتماعية" ما زالت تُراوح مكانها، أو تعاني من بطء التنفيذ وغياب الأثر الميداني.
وتُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن نسبة الثقة في الحكومة الحالية تعرف تراجعًا ملحوظًا، خصوصًا في أوساط الشباب، وهي الفئة التي كانت محط وعود انتخابية كثيرة من طرف أحزاب التحالف الثلاثي.
الرهانات القادمة: تعديل حكومي أم مراجعة للتحالف؟
تصريح نزار بركة يُعيد طرح احتمال تعديل حكومي في الأفق القريب، خاصة في ظل ضغوط اجتماعية واحتقان سياسي، قد لا يُمكن تجاوزه دون إعادة ترتيب الأوراق داخل الحكومة.
كما يُلمح البعض إلى إمكانية إعادة النظر في شكل التحالف الحكومي نفسه، إذا استمرت التوترات، أو في حال قرر حزب الاستقلال إعادة التموضع السياسي تمهيدًا للانتخابات المقبلة.
وتبقى كل السيناريوهات ممكنة، من مجرد "عتاب سياسي داخلي" إلى تفكك جزئي أو شامل في الأغلبية، خصوصًا إذا لم يتدخل رئيس الحكومة عزيز أخنوش بشكل حاسم لإعادة ضبط العلاقة بين الحلفاء.
حكومة على صفيح ساخن
تصريح نزار بركة لم يكن مجرد زلة لسان، بل مؤشر على خلل هيكلي في تدبير العمل الحكومي والتحالف السياسي القائم. وفي ظل غياب رؤية موحدة ومصارحة شفافة مع الرأي العام، فإن حالة التصدع مرشحة للتفاقم، وقد تؤدي إلى ارتباك أكبر في العمل التنفيذي.
ويبقى السؤال الأهم الآن:
هل سيتدارك رئيس الحكومة الوضع، أم أن الحكومة بصيغتها الحالية قد دخلت فعليًا مرحلة العد التنازلي؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك