صدقات رمضان.. نور في قبور الأموات ورحمة تبارك حياة الأحياء

صدقات رمضان.. نور في قبور الأموات ورحمة تبارك حياة الأحياء
بانوراما / الجمعة 07 مارس 2025 - 18:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:هيئة التحرير

مع حلول شهر رمضان المبارك، تتجدد القلوب بالإيمان وتسمو الأرواح بأعمال الخير، ومن أعظم هذه الأعمال التصدق على الأموات، تلك الصدقات التي لا تنقطع ثمارها، فتضيء قبور الراحلين وتبعث الطمأنينة في نفوس الأحياء. فالصدقة في هذا الشهر الفضيل ليست فقط بابًا للثواب المضاعف، بل هي أيضًا رسالة وفاء وحب لمن غادروا الحياة، لكنها تبقى حاضرة في القلوب والأذهان.

لقد أكد العلماء والفقهاء أن الصدقة تصل إلى الميت وتخفف عنه، فهي من الأعمال القليلة التي يُنقل نفعها للراحلين بعد وفاتهم، مستندين في ذلك إلى حديث رسول الله ﷺ: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له". فكل درهم يُنفق في سبيل الله بنية إهداء الثواب للأموات، هو رحمة تنزل عليهم في قبورهم، وتكون سببًا في رفع درجاتهم وتخفيف الحساب عنهم.

وتتنوع أشكال الصدقة على الأموات، فمنها إطعام الصائمين، وبناء المساجد، وحفر الآبار، وطباعة المصاحف، بل وحتى المساهمة في كفالة الأيتام والمحتاجين. وكل هذه الأعمال تصبح في ميزان حسنات المتصدق والميت على حد سواء. ففي رمضان، حينما تفيض موائد الخير وتتعالى أصوات الدعاء، تصبح الصدقات غذاءً للأرواح، وتعبيرًا صادقًا عن الحب والوفاء للأهل والأقارب الذين فارقونا.

إن الصدقة لا تقتصر على المال فقط، فحتى الكلمة الطيبة والتصدق بالجهد والوقت لخدمة الناس تدخل في هذا الباب. فكم من محتاج يفرح بكسرة خبز، وكم من يتيم تسعده كفالة، وكم من مريض يجد في دواء مقدم له حياة جديدة. وعندما يُوهب هذا الأجر لميتٍ، فإنه يُكتب له من الرحمة ما لا يعلمه إلا الله، كما أنه يغمر قلب المتصدق بالسعادة والرضا.

وقد اعتاد كثير من المسلمين أن يجعلوا يوم الجمعة من رمضان، أو العشر الأواخر، أوقاتًا مميزة للصدقات، لرجائهم أن تكون في ليلة القدر، فيحظون بمضاعفة الأجر. كما يلجأ البعض إلى التصدق نيابة عن آبائهم وأمهاتهم، سواء بشراء المصاحف ووضعها في المساجد، أو ببناء سقيا الماء للفقراء، فيكون ذلك كأنه ينبوع خير لا ينقطع عن الراحلين.

وفي هذا الشهر الفضيل، نجد أن القلوب تكون أكثر رقّةً، والعطاء يكون أوسع، فالأبناء يتذكرون آباءهم وأمهاتهم، والإخوة يدعون لإخوانهم، والأحفاد يتصدقون على أجدادهم وجداتهم، كل ذلك في إطار من المودة والرحمة التي أوصى بها الإسلام، وهو ما يجعل من رمضان شهرًا يفيض بالعطاء، ليس فقط للأحياء، بل للأموات أيضًا.

ومن الجوانب الجميلة أن العديد من الجمعيات الخيرية باتت توفر فرصًا للتصدق على الأموات بطرق منظمة، سواء من خلال كفالة الأيتام، أو بناء مشاريع خيرية تحمل أسماء الراحلين، وهو ما يعزز ثقافة الوفاء والبر حتى بعد الموت، ويجعل للصدقات أثرًا مستدامًا يتوارثه الأبناء جيلاً بعد جيل.

وفي النهاية، تظل الصدقة في رمضان بابًا من أبواب الرحمة التي تعود بالخير على الجميع، فهي تنقي النفوس، وتزيل الهموم، وتفرح الأحياء كما تفرح الأموات. فمن أراد أن يبرّ أحبابه الراحلين، فلينفق في وجوه الخير، وليوهب ثواب ذلك لهم، فرب درهمٍ أنفق بصدق، كان سببًا في نورٍ يتلألأ في ظلمة القبور ورحمةٍ تغمر الأرواح في العالم الآخر.

 

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك