الأقلام المأجورة… بين الزور والبهتان وضياع الضمير المهني

الأقلام المأجورة… بين الزور والبهتان وضياع الضمير المهني
مقالات رأي / الجمعة 17 أكتوبر 2025 - 10:02 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

بقلم: مصطفى شكري

في زمنٍ أصبحت فيه الكلمة تُباع وتُشترى، لم يعد غريبًا أن نجد أقلامًا مأجورة تكتب لا من أجل الحقيقة، بل من أجل المال، لا لتخدم المهنة، بل لتخونها. إنها الأقلام التي تكتب الزور والبهتان، وتعيش على تزييف الوعي وتلميع الباطل، وتبيع ضميرها مقابل دراهم معدودة أو مكاسب زائلة.

تلك الفئة من الصحافيين لم تعد تعرف شيئًا عن معنى الكرامة أو الموقف أو العرق الشريف. هم يكتبون لا بما يمليه الضمير، بل بما يطلبه الوزير أو المسؤول أو رجل الأعمال. أقلامهم لا تعرف الحياء، وحروفهم لا تعرف الصدق، لأنهم استبدلوا شرف الكلمة بثمنٍ رخيص يدفعه أصحاب النفوذ.

تجدهم يتقربون إلى الوزراء والمسؤولين كما يتقرب المنافق إلى صاحب الجاه، يمدحونهم في كل مناسبة، ويُسبّحون بحمدهم صباحًا ومساءً. لا يبحثون عن الحقيقة، بل عن المكافأة. لا يكتبون لرفع الوعي، بل لتلميع الصورة وتبييض السمعة. هم لا يعيشون من عرق جبينهم ولا من جهدهم، بل من عطاياهم المشبوهة.

إن هؤلاء المرتزقة لا يضرون المهنة فقط، بل يُهينونها. لأنهم يسرقون مكان الصحافي الشريف، ويُشوّهون صورة المهنة أمام الناس. حين يكتبون الكذب، يزرعون الشك في نفوس القراء، وحين يزوّرون الواقع، يقتلون الأمل في أن تكون الصحافة سلطة حقيقية تراقب وتُحاسب.

الصحافي الشريف يعيش بالكلمة، وهؤلاء يعيشون بالكذب. الصحافي الحقيقي يقف في وجه السلطة ليقول “لا”، أما هم فيُصفقون ويُبررون ويُزينون كل قرار حتى لو كان ظالمًا. إنهم لا يكتبون من أجل الوطن، بل من أجل جيوبهم، ولا يخدمون الحقيقة، بل يخدمون من يدفع أكثر.

لقد أصبحت بعض الصحف والمواقع مأوى لهذه الأقلام التي باعت نفسها. مقالاتهم تُكتب في المكاتب المكيّفة للوزراء، وتُنشر على أنها تحقيقات أو مقالات رأي. أما الحقيقة فهي آخر ما يهمهم، لأنهم يعرفون أن قولها يعني خسارة امتياز أو حرمانًا من إعلان.

هؤلاء ليسوا صحافيين، بل موظفون عند الكذب. يُبدّلون كلماتهم كما يُبدّلون أقنعتهم، يهاجمون اليوم من مدحوه بالأمس، ويدافعون غدًا عمّن شتموه اليوم. لا مبدأ لهم ولا وفاء، لأن المصلحة وحدها هي دينهم ومذهبهم.

إن ما نعيشه اليوم هو زمن الأقلام المأجورة التي تكتب الزور والبهتان باسم الصحافة، زمن الذين فقدوا ضمائرهم ولم يفقدوا امتيازاتهم. لكن مهما كثروا، سيبقى الصحافي الشريف شوكة في حلقهم، والكلمة الصادقة نارًا على أكاذيبهم.

سيأتي يوم يُعاد فيه الاعتبار للحقيقة، يوم يفهم فيه الناس أن الصحافة ليست مهنةً للمديح ولا وسيلة للارتزاق، بل رسالة ومسؤولية. أما هؤلاء الذين يكتبون الكذب تقرّبًا من السلطة، فسينتهي بهم الحال كما ينتهي كل مزيف: بلا أثر، بلا احترام،

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك