الشعب المغربي الاتحادي محمد الجندالي (الحلقة والاخيرة)

الشعب المغربي الاتحادي محمد الجندالي (الحلقة والاخيرة)
مقالات رأي / السبت 26 يوليو 2025 - 08:00 / لا توجد تعليقات:

بقلم : عبدالحق الـريـكي

الجندالي كما عرفته: من أول لقاء إلى آخر وداع

« … يمشي وحده… »..« خالد محمد خالد » في كتاب « رجال حول الرسول »

لم يكن السي محمد الجندالي مجرد رفيق حزبي أو مسؤول اتحادي تعرفت عليه في بداياتي السياسية، بل كان شخصية طبعت مساري بطابع خاص، منذ أول لقاء بيننا في أجواء مشحونة سنة 1984، إلى أن ووري الثرى، بعد سنوات من الصداقة التي توطدت بمرور الزمن.

كنت حينها في الحادية والعشرين من عمري، حديث العهد بالانخراط في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ضمن مجموعة صغيرة من الشباب المتحمسين، نحمل أفكارًا يسارية جذرية، أقرب إلى التروتسكية، وكنا نظن أننا لن نُؤخذ على محمل الجد داخل الحزب.

أما عن انخراطي في حزب الاتحاد الاشتراكي، فقد كنت يومها موظفًا في بنك المغرب بالرباط، في إطار الخدمة المدنية. وكانت وفاء حجي، التي ستصبح لاحقًا رئيسة الأممية الاشتراكية العالمية للنساء، قد عرفتها بكلية الحقوق – الرباط أكدال. وكنت قريبًا منها، فتقدمت بطلب للانخراط في الحزب. وافق السي محمد اليازغي، الرجل القوي آنذاك، والثاني بعد عبد الرحيم بوعبيد وصديق عمر بنجلون، على الطلب، ومن ثم التحق الكل بالاتحاد الاشتراكي، بمن فيهم جمال البراوي ومحمد الخباشي. أما عياد بوخدة، فلم يلتحق بنفس التنظيم، ولا أعرف لماذا.

هؤلاء الثلاثة (جمال البراوي، محمد الخباشي، والزعيم بوخدة عياد) سأعود إليهم في المقال المقبل لأحكي عنهم.

كان القرار أمميًا، فالتحق كل التروتسكيين الموالين لجناح لامبير في مختلف البلدان بالأحزاب الاشتراكية، بما فيهم التروتسكيون الفرنسيون. هكذا التحق جان لوك ميلونشون، الرئيس الحالي لحركة "فرنسا الأبية"، وجان كريستوف كامباديليس، الرئيس السابق للحزب الاشتراكي الفرنسي. هذا الأخير قيل لي إنه كان مقربًا من عياد بوخدة...

لكن في يوم انتخاب المكتب الإقليمي للشبيبة الاتحادية بالرباط، وقعت المفاجأة: تم اقتراحي وانتُخِبت ضمن المكتب. لم نكن نتوقع ذلك نحن "التروتسكيون"، كما كانوا يسموننا، وكان الجناح الذي هيمن على المكتب هو جناح السي محمد الجندالي، الذي انتُخب بدوره رئيسًا.

فرحنا، نحن الشباب الخارجون من الهامش، بهذا الاعتراف غير المتوقع. لكنه لم يخلُ من التوتر. ففي أول اجتماع لنا بالمقر الوطني للشبيبة الاتحادية بالرباط-أكدال، طُلب مني أن أعدّ تقريرًا عن مساري السياسي، وأسباب التحاقي بالحزب. رفضت الفكرة بشدة، وقلت إن ما يُطلب مني هو من اختصاص "المخابرات"، ولن أقبل به. لم يكن طلبي تعجيزيًا، بل موقفًا نابعًا من قناعة بأن التنظيم السياسي ليس جهازًا بوليسيًا . 

كان الجو متوترًا، وكان ذلك الاجتماع، كما أظن، سنة 1984. والعديد من الأطر الاتحادية، من ضمنهم وزراء ومسؤولون كبار، لا يزال بعضهم يذكر تلك الواقعة. ولكن "اليقين"، كما أقول دائمًا، "يكون عند البوليس السري".

رغم هذا، لم يفسد الخلاف صداقتنا. بقيت علاقتي بالسي محمد الجندالي ودية، بل وتعززت في السنوات التالية، خصوصًا منذ سنة 1986، وتعمقت أكثر بعد 2001، إلى أن فارق الحياة رحمه الله.

خلال كل هذه السنوات، ظل ملف "ذلك الاجتماع" مطروحًا على الطاولة، لكنه لم يكن سببًا في القطيعة. كان الجندالي، السياسي الذي تعلم من التجربة، يقول دومًا: "لننظر إلى المستقبل" . 

ورغم علاقتنا المتينة، لم يخبرني قط من الذي اقترح اسمي للانتخاب، ولا من طلب كتابة ذلك التقرير. ظل الأمر في طيّ الكتمان، كأنه سر من أسرار التنظيم، أو لعله فضّل أن يظل في منأى عن الحسابات.

رحم الله محمد الجندالي. كان أول من ترأس خلية الشبيبة التلاميذية في السبعينات، إلى جانب محمد الساسي، وكان مقرها منزل والد إدريس لشكر. هذه الخلية ستنجب جيلاً من المناضلين، وستُسهم في تشكيل ما عرف لاحقًا بالشبيبة الاتحادية.

قد يكون هذا المقال آخر ما أكتبه عنه، لكنه بالتأكيد ليس نهاية الحكاية. فالجندالي، كغيره من أبناء هذا الوطن، يستحق أن يُروى عنه الكثير... لا لتمجيده، بل لفهم زمنه، وزمننا نحن أيضًا.

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك