أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
أثار تسريب مذكرة داخلية نُسبت إلى هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) جدلاً واسعاً داخل الأوساط الصحية والإعلامية في الولايات المتحدة، بعدما حملت اتهامات غير مسبوقة لسياسات التلقيح خلال جائحة كوفيد-19.
الوثيقة، التي تعود نهايتها إلى نوفمبر 2025، نُسبت إلى الدكتور فيناي براساد، المعيَّن حديثاً مديراً لمركز تقييم وبحوث المنتجات البيولوجية (CBER)، وأعاد نشرها عدد من الخبراء المعروفين بانتقاداتهم للسياسات الصحية المتَّبعة أثناء الجائحة.
محتوى مثير للنقاش وتحفظات علمية واسعة
الوثيقة تتناول ما وصفته بتحليل داخلي أجرته فرق الإحصاء واليقظة الدوائية في الهيئة، وتدّعي أنها رصدت حالات وفاة لأطفال قيل إنها مرتبطة بتلقي لقاحات كوفيد-19.
غير أن هذه الادعاءات محلّ خلاف واسع، إذ لم تؤكّدها أي جهة رسمية من FDA أو مراكز مكافحة الأمراض (CDC)، كما لم تُنشر في أي تقرير علمي محكّم.
وتشير الوثيقة إلى مراجعة 96 حالة وفاة تم التبليغ عنها بين عامَي 2021 و2024، لتخلص وفق ادعائها إلى حدوث عدد محدود من الحالات «ذات علاقة محتملة بالتلقيح».
لكن خبراء مستقلّين أكدوا أن البلاغات الطوعية لا تُعدّ دليلاً على وجود علاقة سببية، وأنّ أنظمة اليقظة الدوائية تُسجّل جميع البلاغات دون إثبات أن اللقاح هو السبب الفعلي.
جدل حول إدارة «إشارات السلامة»
المذكرة المزعومة وجّهت انتقادات لأسلوب تعامل المؤسسات الصحية الأمريكية مع الآثار الجانبية النادرة، خاصة التهاب عضلة القلب لدى الشباب.
بينما تؤكّد الهيئات الصحية الرسمية في الولايات المتحدة وأوروبا أن هذه الحالات نادرة جداً وغالباً «خفيفة» مقارنة بالمضاعفات القلبية التي قد يسببها الفيروس نفسه.
ويرى منتقدون أن التواصل الرسمي مع الرأي العام خلال الجائحة لم يكن دائماً واضحاً أو سريعاً بما يكفي.
أسئلة حول منهجية اللقاحات دون أدلة حاسمة
تطرح الوثيقة أيضاً تساؤلات حول جدوى تلقيح الفئات العمرية الصغيرة، معتبرة أن البيانات لم توفّر أدلة كافية على فوائد مباشرة للأطفال الأصحّاء.
هذا الطرح بدوره أثار انتقادات علمية، إذ تشير دراسات مُحكّمة إلى أن التلقيح خفّض معدلات الاستشفاء لدى الأطفال ذوي الأمراض المزمنة ووفّر حماية إضافية خلال موجات انتشار المتحوّرات.
وفي الوقت نفسه، شدّد مختصّون على أنّ تقييم فوائد ومخاطر أي لقاح يجب أن يستند إلى دراسات منشورة وبيانات رسمية، لا إلى مذكرات داخلية غير مؤكّدة المصدر.
دعوة إلى إصلاحات تنظيمية
المذكرة تدعو إلى مراجعة السياسات التنظيمية الخاصة باللقاحات، بما في ذلك إنهاء الاعتماد على «مؤشرات بديلة» مثل مستويات الأجسام المضادّة وحدها، وتعزيز الشفافية في تقارير السلامة، إضافة إلى دراسة تفاعلات إعطاء عدة لقاحات في الفترة نفسها.
غير أنّ هذه المطالب نفسها ليست جديدة، إذ يطرحها باحثون منذ سنوات في إطار تحسين أنظمة الترخيص الطبي بشكل عام.
بين التسريب والواقع
حتى الآن، لم تصدر FDA أي تأكيد لصحة الوثيقة أو لمضامينها، حيث يعتبر خبراء الصحة العامة أنّ الادعاءات الواردة في المذكرة «تحتاج أدلة علمية صلبة» قبل التعامل معها بجدية، خصوصاً في موضوع حسّاس مثل سلامة اللقاحات.
في المقابل، يرى البعض أن الوثيقة –بغضّ النظر عن صحتها– تعكس نقاشاً حاداً داخل الولايات المتحدة حول إدارة الأزمات الصحية ومستوى الشفافية الذي يجب أن تتحلّى به المؤسسات.
وبين الاتهامات والردود العلمية، يبقى الملف مفتوحاً، في انتظار توضيحات رسمية أو بيانات موثّقة قد تحسم هذا الجدل المتزايد.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك