أنتلجنسيا المغرب:أبو دعاء
لم تكن خديجة سوى امرأة منسية في هامش
هذا الوطن، لا تملك إلا جسدها وكرامتها، ولا تملك من الحماية سوى جرأتها على قول
"لا" في وجه التحرش، حين صمت الجميع، لم تكن تظن أن تلك الكلمة ستكلفها
88 غرزة في الوجه، و35 يوما من العجز، وذكريات من الألم الجسدية والنفسية لا تمحى،
كانت ضحية لم يكن لها من صدى سوى ما سال من دمها على أرصفة الإهانة، بعدما تجرأت
على الوقوف في وجه المعتدي.
القصة لم تنته عند حدود الجريمة، بل
بدأت حينها مرحلة جديدة من الذبح الرمزي، بعدما نطقت المحكمة بحكم شهرين سجنا
نافذة فقط في حق المعتدي، فصعقت خديجة مرتين، مرة بالحديد والضرب، ومرة بقسوة
التقدير، لم يكن السؤال المطروح طعنا في العدالة، بل توجسا مشروعاً من مدى استيعاب
المنظومة لآلام النساء حين تُهدر كرامتهن بلا عقاب رادع.
الصدمة المجتمعية لم تكن مجرد انفعال
عابر، بل كانت احتجاجاً صامتاً ضد فجوة فكرية عميقة، ما زالت تستخف
بـ"الكرامة الجسدية" للنساء وتعتبر الجسد الأنثوي ملكاً مشاعاً للمساس
والاستخفاف، خديجة لم تعد مجرد اسم، بل تحولت إلى رمز لكل من صمتن خوفاً من الشك
والتشكيك، من الوصم ومن القوانين التي لا تردع ولا تحمي.
إننا لا نحتج على قوس المحكمة، بل
نناشده أن يبقى حصناً أخيراً لمن لا حصن لهم.
أن لا يتركوا الضحية تُذبح مرتين، مرة
بالفعل الإجرامي، ومرة بالتقليل من جسامته، فالعدالة الحقيقية لا تقاس بمدة
العقوبة فقط، بل بقدرتها على رد الكرامة إلى أصحابها، وخاصة حين يكون الجاني
واثقاً من الإفلات، والضحية موقنة أنها وحدها في ساحة الخذلان.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك