أنتلجنسيا المغرب:رئاسة التحرير
أظهر مؤشر ملاءمة التعليم مع سوق الشغل، الصادر حديثاً عن منظمة دولية متخصصة في قياس جودة الأنظمة التعليمية والاقتصادية، تراجعاً حاداً للمغرب، الذي احتل مراتب متأخرة مقارنة مع دول أخرى.
هذا التصنيف، يعكس حجم الفجوة التي تفصل بين مخرجات النظام التعليمي الوطني ومتطلبات سوق العمل، مما يطرح تساؤلات عميقة حول قدرة المنظومة التعليمية على إعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات العصر.
المؤشر، الذي يستند إلى عدة معايير تشمل جاهزية الخريجين للانخراط في سوق العمل، وكفاءة التكوين المهني، ومواءمة البرامج التعليمية مع القطاعات الاقتصادية، صنّف المغرب في الثلث الأخير عالمياً، متأخراً عن دول مجاورة في شمال إفريقيا، مثل تونس والجزائر. وبيّن التقرير أن نسبة كبيرة من الشباب المغربي الحاصلين على الشهادات العليا يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل، حيث تتجاوز البطالة في صفوف هذه الفئة 18%، وفق إحصائيات رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط.
واستعرض التقرير بعض الأسباب الرئيسية وراء هذا التراجع، أهمها غياب التوجيه المهني المبكر في المدارس، وضعف جودة التكوين المهني بالمقارنة مع التطورات التكنولوجية والصناعية، فضلاً عن اعتماد الجامعات المغربية على برامج تعليمية لا تعكس الحاجيات الحقيقية لسوق الشغل، الذي بات يطالب بمهارات دقيقة في مجالات التكنولوجيا الحديثة، والذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، وغيرها من القطاعات الواعدة.
من جهة أخرى، كشف التقرير أن الشركات المغربية تعاني من صعوبات كبيرة في العثور على كوادر مؤهلة، ما دفع بعضها إلى اللجوء إلى توظيف كفاءات أجنبية. ورغم الاستثمارات المهمة التي خصصتها الحكومة للقطاع التعليمي، حيث بلغ الإنفاق العمومي على التعليم أكثر من 73 مليار درهم سنة 2022، إلا أن النتائج ما زالت دون المستوى المأمول، ما يثير تساؤلات حول فعالية الاستراتيجيات المتبعة.
وفي سياق متصل، يبرز القطاع الخاص كحل بديل، حيث تعتمد بعض المؤسسات التعليمية الخاصة برامج دولية تُعدّ الطلبة بشكل أفضل لسوق العمل. ومع ذلك، يظل هذا الخيار بعيد المنال بالنسبة للأغلبية الساحقة من الأسر المغربية بسبب تكاليفه المرتفعة.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الوضع ينعكس أيضاً على الاقتصاد الوطني، إذ يعاني المغرب من ضعف تنافسيته في استقطاب الاستثمارات الأجنبية التي تشترط غالباً توفر يد عاملة مؤهلة. ووفق دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن تحسين ملاءمة التعليم مع سوق العمل قد يساهم في خفض معدل البطالة بنسبة تصل إلى 30%، كما يمكن أن يُعزز الناتج الداخلي الخام بمعدل 2% سنوياً.
على الرغم من الجهود المبذولة من طرف الحكومة لإصلاح التعليم من خلال برامج مثل "خارطة الطريق 2022-2026"، إلا أن التحديات ما زالت جسيمة وتتطلب رؤية شاملة تُركز على تحديث المناهج الدراسية، وإعادة تأهيل مؤسسات التكوين المهني، وإشراك القطاع الخاص بشكل أكبر في صياغة السياسات التعليمية. إن مستقبل الأجيال المقبلة مرهون بمدى قدرة المغرب على ردم الهوة بين التعليم وسوق العمل، وهو تحدٍّ يستدعي تحركاً عاجلاً قبل أن تتفاقم الأزمة أكثر.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك