أنتلجنسيا:ياسر اروين
تعيش المستشفيات العمومية بالمغرب، وضعاً صادماً بعد تسجيل اختفاء أزيد من 600 دواء أساسي، من بينها علاجات حيوية مرتبطة بالسرطان والسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض مزمنة أخرى.
هذا النقص الحاد لم يعد استثناءً ظرفياً، بل تحول إلى واقع يومي، يدفع المرضى إلى مواجهة المرض بلا دواء، أو البحث عنه في السوق الخاصة بأسعار تفوق قدرتهم.
العلاج لمن يملك المال فقط
في ظل هذا الخصاص، يجد آلاف المرضى أنفسهم مجبرين على اقتناء أدويتهم من الصيدليات الخاصة، إن وُجدت، أو التخلي عنها كلياً بسبب الغلاء.
هكذا تتحول المستشفيات العمومية، من فضاء للعلاج إلى محطات انتظار، بينما يُترك المرضى الفقراء لمصيرهم، في تناقض صارخ مع مبدأ الحق في الصحة.
أمراض قاتلة بلا أدوية
الخطير في هذا الوضع، أن الأدوية غير المتوفرة لا تتعلق بحالات ثانوية، بل بعلاجات أساسية لأمراض تهدد الحياة، على رأسها السرطان، وداء السكري، وأمراض القلب والشرايين والضغط الدموي.
فغياب هذه الأدوية، يعني ببساطة توقف العلاج، وانتكاس الحالات الصحية، وارتفاع مخاطر المضاعفات والوفيات.
اختلال في التدبير لا في الإمكانيات
مصادر مهنية في القطاع الصحي، تربط الأزمة بسوء التخطيط وضعف التوقع في الصفقات العمومية، إضافة إلى اختلالات في سلاسل التزويد والتخزين، وتأخر الأداء للموردين.
وهي عوامل، تكشف أن المشكل ليس في ندرة الدواء عالمياً، بل في عجز داخلي عن ضمان استمرارية التزويد.
الدولة في قفص الاتهام
مسؤولية هذا الانهيار لا يمكن فصلها عن اختيارات الدولة والحكومة، التي تتحمل الواجب الدستوري في ضمان الحق في العلاج.
وفشل السياسات العمومية في تأمين الأدوية الأساسية، يضع الحكومة في موقع مساءلة مباشرة، خاصة في ظل شعارات تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية.
التغطية الصحية بلا مضمون
توسيع الاستفادة من التأمين الصحي بالمملكة المغربية، يفقد معناه حين تغيب الأدوية داخل المستشفيات.
فبطاقة العلاج لا تشفي، والوعود لا توقف الألم، ما يجعل ملايين المغاربة أمام مفارقة قاسية، حيث هناك ولوج نظري إلى العلاج، وحرمان فعلي منه.
صمت رسمي وأسئلة محرجة
رغم خطورة الوضع، يطغى الصمت الرسمي أو التبرير التقني، دون تقديم حلول عاجلة أو أجندة واضحة لإنهاء الأزمة.
هذا الصمت يزيد من منسوب الغضب، ويطرح أسئلة ثقيلة حول أولويات الحكومة، ومكانة صحة المواطنين في سلم السياسات العمومية.
أزمة ثقة قبل أن تكون أزمة دواء
أكثر من 600 دواء مفقود ليست مجرد أرقام، بل مؤشر على أزمة ثقة عميقة بين المواطن والمؤسسات الصحية.
فحين يصبح الدواء نادراً في المستشفى العمومي، يتحول المرض إلى حكم قاسٍ، وتتحول الدولة من حامٍ للصحة إلى متفرج على معاناة مواطنيها.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك