تهديد صامت يقترب من المملكة:قانون فرنسي جديد يُربك مستقبل آلاف الأجراء في المغرب

 تهديد صامت يقترب من المملكة:قانون فرنسي جديد يُربك مستقبل آلاف الأجراء في المغرب
ديكريبتاج / السبت 24 مايو 2025 - 18:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:الربان

في خطوة تشريعية مفاجئة، صادق البرلمان الفرنسي يوم 21 ماي 2025 على قانون يحظر المكالمات الهاتفية الترويجية غير المرغوب فيها، ما قد يتسبب في هزة قوية داخل سوق الشغل المغربي، خصوصاً في قطاع مراكز النداء (Call Centers) التي تعتمد بشكل شبه كلي على السوق الفرنسية. ومن المرتقب أن يدخل هذا القانون حيز التنفيذ في غشت 2026، ما يمنح الشركات والعمال المغاربة فترة قصيرة جداً لإعادة ترتيب أوراقهم، وسط مخاوف من فقدان آلاف مناصب الشغل وتقلص كبير في الاستثمارات بهذا القطاع الحيوي.

 تشريع فرنسي وصدى مدوٍّ في المغرب

يهدف القانون الجديد إلى حماية المستهلك الفرنسي من الإزعاج المتكرر والاحتيال الذي صار ملازماً للمكالمات الترويجية، خصوصاً تلك القادمة من مراكز النداء. بموجب هذا النص، يُعتبر المواطن الفرنسي تلقائياً رافضاً لأي مكالمة تسويقية ما لم يُعرب صراحة عن رغبته في تلقيها. أي أن قاعدة "الرفض التلقائي" (opt-out) تحولت إلى "القبول المسبق" (opt-in)، وهو ما سيقلص بشكل جذري من عدد العملاء المحتملين الذين يُسمح الاتصال بهم.

في الظاهر، يبدو القانون موجهاً لتنظيم السوق المحلية، لكنه فعلياً يُعيد تشكيل خارطة خدمات "الأوفشورينغ" (Offshoring) بالكامل، ويضع المغرب، باعتباره أكبر وجهة ناطقة بالفرنسية لمراكز النداء، أمام تحدٍّ غير مسبوق.

 مراكز النداء بالمغرب:قطاع في مهب الريح

يعتمد قطاع مراكز النداء المغربي بشكل كبير على العقود القادمة من فرنسا، حيث تستحوذ السوق الفرنسية على ما يزيد عن 80% من الطلب على هذه الخدمات. ويُقدّر عدد العاملين المغاربة في هذا المجال بحوالي 120 إلى 150 ألف شخص، يعملون في مدن كبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، فاس، ومراكش، ضمن شركات توفّر خدمات الهاتف، التأمين، التسويق، والخدمات البنكية.

القانون الجديد يهدد بتقليص حجم المكالمات الصادرة المسموح بها قانوناً بشكل كبير، ما يعني إلغاء العديد من الحملات التسويقية التي تمثّل العمود الفقري لهذه الشركات، خصوصاً تلك التي تعتمد على أسلوب "البيع البارد" (cold calling).

 أثر مباشر على مناصب الشغل والاستثمار

وفق خبراء، فإن مئات الآلاف من العقود محددة المدة (CDD) والوظائف المؤقتة قد تصبح مهددة في ظرف سنة واحدة فقط. فالشركات الفرنسية، التي تستفيد من فارق التكاليف في المغرب، قد تجد نفسها مضطرة إلى إلغاء أنشطة الاتصال الهاتفي بالكامل، أو نقلها إلى قنوات أخرى أقل تكلفة وأكثر مرونة مثل الرسائل النصية، البريد الإلكتروني، أو الذكاء الاصطناعي.

يقول عبد العالي مرزاق، مستشار في مجال التشغيل الرقمي:

"القانون الجديد سيجبر الشركات على إعادة هيكلة استراتيجياتها التسويقية بالكامل، وما لم تتحرك الحكومة المغربية لإعادة تموقع هذا القطاع نحو خدمات ذات قيمة مضافة، فإننا نتجه نحو أزمة شغل حقيقية."

 هل من بدائل؟ الفرص في قلب الأزمة

ورغم الصورة القاتمة، يرى بعض الفاعلين الاقتصاديين أن هذه الأزمة قد تشكل فرصة لمراكز النداء المغربية للانتقال إلى نموذج أعمال أكثر استدامة، يرتكز على الخدمات ما بعد البيع، الدعم التقني، وتجربة الزبون، بدلاً من المكالمات الترويجية فقط. كما أن أسواقاً جديدة، مثل كندا أو إفريقيا الفرنكوفونية، قد تعوض نسبياً السوق الفرنسية، وإن كان ذلك يتطلب استثمارات جديدة وتكوينات متخصصة.

في السياق ذاته، تشير بعض الدراسات إلى أن الرقمنة والذكاء الاصطناعي قد يشكّلان متنفساً جديداً لمراكز النداء، لكن فقط في حال ترافقا مع تحول هيكلي في نوعية الخدمات المقدمة.

 ماذا بيد الحكومة المغربية؟

رغم أهمية الحدث، لم تصدر بعد أي ردود فعل رسمية من طرف وزارة الشغل أو وزارة الاستثمار والتجارة. ويُطرح تساؤل جوهري: هل كانت السلطات المغربية على علم بمسار هذا القانون الفرنسي؟ وهل توجد تحركات دبلوماسية أو اقتصادية لاحتواء تداعياته؟

يطالب فاعلون نقابيون بفتح نقاش عاجل حول مستقبل القطاع، وبدء مشاورات مع الجانب الفرنسي، كما دُعيت الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل (أنابيك) إلى وضع سيناريوهات بديلة لمرافقة المتضررين المحتملين.

العداد بدأ بالعد التنازلي

مع دخول القانون الفرنسي حيز التنفيذ في غشت 2026، يملك المغرب حوالي 15 شهراً فقط لتفادي "تسونامي اقتصادي" داخل قطاع يُعتبر من أكبر خالقي فرص الشغل في البلاد. وتبقى الكرة في ملعب الحكومة والفاعلين الاقتصاديين لاستباق الأزمة وتحويلها إلى فرصة لإعادة هيكلة نموذج التوظيف الرقمي في المملكة.

فهل يستعد المغرب لهذا الزلزال الاقتصادي القادم؟ أم أننا سنكتفي مرة أخرى بدور المتفرج؟

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك