أنتلجنسيا المغرب:أبو جاسر
وضع تقرير دولي حديث المغرب أمام مرآة قاتمة، بعدما كشف أن ما يُروَّج له من مؤشرات استقرار ونمو لا ينعكس فعلياً على مستوى الازدهار، حيث حلّ في المرتبة الثامنة إفريقيا ضمن تصنيف “مؤشر الازدهار العالمي 2025”، بنقطة لا تتجاوز 30.02 من أصل 100، وهو رقم يضع المملكة عملياً على حافة الدول شديدة الهشاشة، أقرب إلى الضعف البنيوي منه إلى أي مسار تنموي حقيقي.
التصنيف، الذي شمل 186 دولة، صنّف المغرب ضمن فئة “الازدهار المنخفض”، متأخراً عن دول إفريقية تعيش أزمات سياسية أو اقتصادية حادة، ومتذيلاً تقريباً قائمة شمال إفريقيا، في صورة تعكس اختلالاً عميقاً بين الخطاب الرسمي والواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه المواطنون.
ورغم أن التقرير يعتمد مقاربة شاملة لا تكتفي بالدخل أو النمو، بل تقيس جودة الحياة، الفوارق الاجتماعية، الفقر، التنمية البشرية، والادخار الوطني، فإن حصيلة المغرب ظلت ضعيفة، ما يكشف فشل السياسات العمومية في تحويل المؤشرات الماكرو اقتصادية إلى تحسين ملموس في شروط العيش وتقليص التفاوتات الصارخة.
اللافت أن المغرب يوجد عند عتبة فاصلة بين “الازدهار الضعيف” و”الازدهار الضعيف جداً”، أي أن أي اهتزاز اقتصادي أو اجتماعي إضافي كفيل بدفعه رسمياً إلى خانة الدول الأكثر هشاشة، وهو ما يعكس هشاشة النموذج التنموي وعجزه عن خلق مناعة اجتماعية حقيقية.
إقليمياً، جاء المغرب خلف الجزائر وتونس ومصر، وهي دول رغم أزماتها، استطاعت تحقيق نقاط أعلى، ما يطرح أسئلة محرجة حول اختيارات توزيع الثروة، والاستثمار في الإنسان، وجودة الخدمات العمومية، مقابل استمرار البطالة، وضعف الإنتاجية، واتساع الفجوة بين المدينة والقرية.
قاريًا، يبرز الفارق الصارخ بين المغرب ودول جزرية مثل موريشيوس وسيشل، التي نجحت في بناء اقتصادات أكثر توازناً وحكامة، بينما ظل المغرب عالقاً في نموذج غير قادر على كسر دائرة الهشاشة الاجتماعية، رغم موقعه الجغرافي الاستراتيجي واستقراره السياسي النسبي.
وعلى المستوى العالمي، يظهر المغرب خارج نادي الدول متوسطة الازدهار، بعيداً جداً عن الدول المتقدمة التي تجمع بين الدخل المرتفع، العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، في وقت تؤكد فيه المؤشرات أن الفقر، البطالة، وضعف الخدمات الأساسية لا تزال تشكل عناوين كبرى للمشهد المغربي.
الخلاصة التي يكرسها التقرير صادمة: المغرب ليس فقط متأخراً في سباق الازدهار، بل يقف عملياً على أرضية هشة، حيث النمو لا يترجم عدالة، والاستقرار لا يعني بالضرورة حياة كريمة، ما يجعل سؤال النموذج التنموي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك