أنتلجنسيا المغرب: أبو دعاء
في زمن التحولات الكبرى، وبينما تتغير
خرائط النفوذ في العالم العربي، تقف الجزائر في زاوية معتمة تصرخ في العاصفة، ترمي
باتهاماتها في كل اتجاه، باحثة عن مجد ضائع أو مكان لم تعد أدواتها تصلح لبلوغه،
وبينما تنشغل بخطابات متشنجة وخطوات مرتعشة، تمضي الإمارات بخطى الواثقين، ترسم في
صمت خارطة حضورها الفاعل، تؤسس لتحالفات ممتدة، وتبني نفوذًا لا تصنعه الكلمات بل
تحققه الأفعال.
الجزائر اليوم لا تواجه الإمارات بقدر
ما تصارع ذاتها، تصرخ في وجه الواقع الذي لم تعد تملك مفاتيحه، تحاول أن تصنع
لنفسها حضورًا إعلاميًا ودبلوماسيًا عبر التهجم على من أثبتوا حضورهم، وكأنها بذلك
تُواري فشلها في إدارة ملفاتها الداخلية، فما تسميه الجزائر "مواقف
سيادية" لا يعدو كونه تكرارًا لنفس اللغة الخشبية التي استهلكها الزمن، لغة
لا تجلب احترامًا ولا تصنع تحالفات، بل تعزل أكثر مما توصل.
في المقابل، لا يبدو أن الإمارات تولي
كثيرًا من الاهتمام لهذه الضوضاء الصادرة من الجزائر. فالدولة الخليجية تمضي وفق
رؤية استراتيجية متكاملة، تبني فيها قوتها الناعمة والصلبة على السواء، وتنتقل من
شراكة إلى أخرى، وتدخل ملفات معقدة بثقة الكبار، مدفوعة بإمكانات اقتصادية
ودبلوماسية أثبتت جدارتها في أكثر من محطة، لا تدخل الإمارات في سجالات عبثية، ولا
تعلّق وجودها على ردود الأفعال، بل تصنع الحدث وتترك للآخرين التعليق عليه.
من الواضح أن ما تقوم به الجزائر ليس
تعبيرًا عن سياسة خارجية ناضجة، بل هو انعكاس مباشر لمآزق داخلية تتعمق يومًا بعد
آخر، من الأزمة الاقتصادية التي تخنق الشارع، إلى الإغلاق السياسي الذي يقيد
الحريات، مرورًا بعزلة دبلوماسية لا تنفك تتسع. في هذا السياق، يصبح افتعال خصومة
مع الإمارات مجرد وسيلة لتصدير الأزمة، وخلق عدو خارجي يعفي السلطة من مواجهة
أسئلتها الكبرى في الداخل.
وإذا كان الإعلام الرسمي الجزائري
يحاول الترويج لخطاب المواجهة مع الإمارات باعتباره موقفًا وطنيًا، فإن المتابعين
من خارج الدائرة الضيقة يرونه ضربًا من العبث السياسي، بل وحتى نوعًا من الغيرة
الجيوسياسية التي تغذيها المقارنات المؤلمة.
فالفارق بين الدولتين لم يعد مجرد
تفاوت اقتصادي أو تفاوت في الأداء، بل أصبح فجوة في مستوى التخطيط والعقلانية
واتزان القرار.
الإمارات لم تصل إلى مكانتها
الإقليمية صدفة، بل عبر مسار طويل من البناء المؤسسي والانفتاح الواعي، وعبر توظيف
أمثل لقدراتها في مختلف المجالات، من الاقتصاد إلى الثقافة، ومن الأمن إلى
الابتكار.
أما الجزائر، فما زالت تدور في دوامة
الشعارات، وتكتفي بإلقاء اللوم على الآخرين، كلما ضاقت بها سبل الحل أو فشلت في
تجاوز امتحانات اللحظة.
حين تصرخ الجزائر، فإن صوتها لا
يتجاوز حدود أزمة تعيشها، بينما حين تتحرك الإمارات، فإن تحركاتها تُحسب على
الخارطة السياسية للمنطقة، وتُتابع باهتمام في عواصم القرار الكبرى. هنا يكمن
الفارق الجوهري: هناك من يصنع القرار، وهناك من يكتفي بمراقبته والانفعال حياله.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك