أنتلجنسيا المغرب:أبو دعاء
صلاة الجمعة ليست مجرّد عبادة
أسبوعية، بل هي لحظة استثنائية من النور الإلهي، فيها تفتح أبواب السماء، وتتنزّل
الرحمات، وتُكتب الأجور العظيمة لمن لبّى نداء الحق وترك الدنيا خلفه متوجهًا إلى
بيت الله.
من يتجه إلى المسجد يوم الجمعة،
يتطهّر ظاهرًا وباطنًا. فالوضوء في هذا اليوم ليس فقط نظافة للجسد، بل تهيئة للقلب
ليستقبل كلام الله ووصايا نبيه الكريم.
الملائكة تنتظر على أبواب المساجد منذ
أول النهار، تسجل أسماء القادمين واحدًا تلو الآخر، وتطوي صحفها حين يصعد الإمام
المنبر. فهنيئًا لمن كان من السابقين، لا من المتأخرين.
الذهاب إلى صلاة الجمعة باكرًا، يعني
إدراك فضل الساعة الأولى، التي قال عنها رسول الله إنها كمن قدّم بدنة، أي ناقة
عظيمة في سبيل الله، فما بالك بمن اعتاد ذلك أسبوعًا بعد أسبوع؟
في هذا اليوم العظيم، تكثر الدعوات
وتُرفع الأكفّ، والقلوب تكون أقرب إلى الله من أي وقت آخر، لأن النفوس مهيأة
للخشوع، والروح متعطشة للهداية.
من بركات صلاة الجمعة، أنها تمحو ما
بين الجمعتين من ذنوب، بشرط اجتناب الكبائر، وهذا وحده كافٍ لتجديد القلب وتطهير
النفس من شوائب الأسبوع.
خطبة الجمعة ليست درسًا عابرًا، بل
رسالة ربانية موجهة لكل قلب مؤمن، تذكّر بالحق، وتحذّر من الباطل، وتوقظ الغافلين
بلغة الدين والبصيرة.
الجلوس في المسجد يوم الجمعة يمنح
طمأنينة لا تُشترى، وسكينة لا تُوصَف. فهي لحظة تجمّع فيها القلوب حول منبر واحد
ووجهة واحدة: الله وحده لا شريك له.
حتى الصمت أثناء الخطبة عبادة، لأن
احترام كلام الخطيب جزء من تعظيم شعائر الله، ومن شوش أو تكلّم فقد أضاع أجره،
فكيف بمن أنصت وفهم وعزم على العمل بما سمع؟
الأجر لا يتوقف عند الصلاة، فكل خطوة
إلى المسجد تُكتب حسنة، وكل جلوس في انتظارها عبادة، بل إن المَلَك يظل يستغفر
للمصلي ما دام جالسًا في مكانه بعد الصلاة.
الجمعة يوم عيد، قال فيه النبي:
"إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين"، فهو يوم فرح روحي لا يُقارن بأي
مناسبة دنيوية، فيه تُوزّع الجوائز السماوية على من استعد لها.
الأطفال الذين يُربّون على حضور
الجمعة يكبرون وهم يحملون في قلوبهم عظمة هذا اليوم، وينشأ فيهم شعور بالانتماء
إلى جماعة المؤمنين، لا إلى هواتفهم وأهوائهم.
في المسجد تتلاشى الفوارق، الفقير
بجانب الغني، والخادم بجانب السيد، كلهم سواسية أمام الله، يجمعهم الإيمان لا
المظاهر، والنية لا المناصب.
بركة الجمعة تمتد إلى الرزق، فكم من
عبد توضأ وخرج لصلاة الجمعة فعاد وقد فُتحت له أبواب الخير، فالدعاء في هذا اليوم
لا يُردّ، وفيه ساعة لا يوافقها عبد يسأل الله إلا أعطاه.
الأسرة التي يحافظ رجالها على صلاة
الجمعة، تُبارك أيامها، ويعمّ فيها الخير، لأن فيهم من يربط البيت بالمسجد، ويغرس
نور الإيمان في أركان البيت.
من فاتته الجمعة بغير عذر، خسر من
الأجر ما لا يُحصى، فقد قال النبي إن من تركها ثلاث مرات متوالية طبع الله على
قلبه، فأي خسران بعد هذا؟
المسجد في يوم الجمعة يتحول إلى ساحة
نور، تسري فيها الأرواح الطاهرة، وتتعالى فيها أصوات الذكر، ويشعر المصلي أنه في
حضرة الملوك، بل في حضرة ملك الملوك.
المرأة وإن لم تُكلّف بصلاة الجمعة،
إلا أنها تنال من بركتها، إن هي أعدّت زوجها وابنها وشجّعتهم على الذهاب إليها،
فنالت نصيبًا من الخير بنيّتها الصادقة.
الجمعة فرصة أسبوعية لغسل القلب،
وتجديد العهد مع الله، وطلب الصفح، والعودة إلى الطريق المستقيم، فكيف لمن يضيعها
وهو يعلم ما فيها من الخير؟
من يحافظ على صلاة الجمعة، يُكرّمه
الله بوجه منير، ونفس هادئة، ومقام رفيع يوم القيامة، ويُحشر في زمرة المؤمنين
الصادقين الذين أحبّوا بيوت الله فقرّبهم الله إليه.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك