أنتلجنسيا المغرب: وصال . ل
في عالم يزداد فيه الصخب والجري وراء
المادة، يظل مد يد العون للفقراء والمحتاجين فعلاً نبيلاً يسمو بالروح ويرتقي
بصاحبه إلى مصافّ الأخيار، فليس المال ما يبقى، بل ما جاد به الإنسان من قلبه،
ليخفف ألماً، أو يسد جوعاً، أو يبعث أملاً في نفس منكسرة.
الصدقة ليست مجرد درهم يُلقى في يد
متسول، بل هي بناء داخلي لجنتك في الآخرة، هي استثمار روحي لا يعرف الخسارة، ووعد
من الله لمن يمدّ يده بالعطاء أن يهيئ له مقعداً في الجنة، ويظلّه يوم لا ظل إلا
ظله، ويمنّ عليه بالرحمة في الدنيا قبل الآخرة.
أن تطعم جائعاً أو تكسو عرياناً أو
تفرج كرب فقير، هو في الحقيقة فعل عبادة لا يقل شأناً عن الصلاة والصيام. بل قد
يكون أقرب طريق إلى قلب الله، لأن الله يحب من عباده من يُحسنون إلى خلقه،
ويواسونهم في شدائدهم، ويكونون عوناً لهم لا عبئاً فوق أوجاعهم.
العطاء لا يُقاس بما تملك، بل بما
تفيض به نفسك من رحمة، قد تكون فلساتك القليلة أعظم عند الله من ذهب الأغنياء، إذا
كانت مشبعة بالإخلاص، وخرجت من قلب يحب الخير لا رياء فيه ولا انتظار لثناء البشر.
المحتاجون ليسوا مجرد أرقام في تقارير
المساعدات، بل هم بشر، لهم كرامة، لهم آهات، ولهم قلوب تنبض بالأمل في أن تمتد
إليهم يد رحيمة، تُشعرهم أنهم ما زالوا جزءاً من نسيج المجتمع، وأنهم لم يُتركوا
وحدهم في مواجهة قسوة الحياة.
والعطاء لا يقتصر على المال، بل يشمل
الكلمة الطيبة، والمواساة الصادقة، والنصيحة المخلصة، وكل ما يدخل السرور على قلب
إنسان، قد تكون ابتسامتك صدقة، وقد تكون زيارتك لمريض منسيّ أجراً عظيماً تكتبه
الملائكة في سجل أعمالك البيضاء.
أعظم ما في مد يد العون أنه يطهّر
النفس من الأنانية، ويعلّم القلب كيف يحب من لا ينتظر منه مقابلاً. هو فعل يعيد
ترتيب الأولويات في الحياة، ويضع الإنسان أمام مرآة حقيقية ليرى أي أثر يتركه في
الدنيا بعد الرحيل.
من يبني قصوراً من الذهب قد يتركها
كلها في لحظة موت، أما من بنى جنة من الخير في قلوب الفقراء والمحتاجين، فقد حجز
مكانه في دار الخلود، حيث لا فقر ولا مرض ولا همّ، فقط النعيم الأبدي ورضى الله
الذي لا يُقارن.
فلنمدّ أيدينا بالعطاء قبل أن تمتد
فارغة يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولنغتنم كل فرصة لفعل الخير، فالدنيا قصيرة،
والفرصة لا تتكرر، والجنة تستحق أن تُبنى بكل قطرة عرقٍ في خدمة الآخرين، وبكل
درهم يُبذل خالصاً لوجه الله.
اجعل حياتك جسراً يمرّ عليه الضعفاء
إلى نور الأمل، وازرع خيرك في قلوبهم، فإن بستانك الحقيقي هناك… حيث لا ترى عين،
ولا تسمع أذن، ولا يخطر على قلب بشر.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك