أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
في ظل الانتشار المتسارع للخدمات البنكية الرقمية وتزايد الاعتماد على التطبيقات البنكية والتعاملات عن بُعد، بات الاحتيال الإلكتروني واحداً من أخطر التهديدات التي تُهدد مدخرات المغاربة، وتُربك علاقة الثقة بين الزبون ومؤسسته البنكية.
اليوم، لم يعد اللص بحاجة إلى قناع أو مسدس، بل يكفيه هاتف ذكي وقليل من الحيل ليقتحم حسابك البنكي ويجردك من أموالك.
قصص ضحايا تفضح الخطر
سعيد، موظف في شركة تأمين بمدينة الدار البيضاء، استيقظ ذات صباح ليجد حسابه البنكي قد فُرغ من مبلغ 14 ألف درهم دون أن يقوم بأي عملية.
بعد مراجعة كشف الحساب، تبيّن أن عمليات تحويل تمت نحو منصات رقمية مجهولة. لم يستوعب في البداية كيف حدث ذلك، لكنه تذكر مكالمة هاتفية تلقاها قبل يومين من طرف شخص ادعى أنه من البنك، وطلب منه تحديث معلوماته الشخصية عبر رابط أُرسل له عبر البريد الإلكتروني.
القصة لا تقتصر على سعيد. العشرات – بل المئات – يروون تجارب متشابهة، حيث يتم استدراجهم برسائل مزيفة، أو مكالمات هاتفية محترفة تُقنعهم بالإفصاح عن رموزهم السرية، أو دفعهم للولوج إلى مواقع مزيفة تُشبه إلى حد التطابق المواقع البنكية الرسمية.
تقنيات الاحتيال تتطور والمؤسسات تتأخر في الرد
يراهن المحتالون على ضعف الثقافة الرقمية لبعض المستخدمين، وعلى السرعة التي تتيحها التكنولوجيا لإنجاز العمليات المالية في ثوانٍ. وأبرز تقنياتهم:
التصيّد الإلكتروني (Phishing): رسائل إلكترونية أو نصية مزيفة تنتحل هوية البنك.
الهندسة الاجتماعية: اتصالات هاتفية تَظهر للمستقبل كأنها واردة من رقم البنك الرسمي.
الروابط الخبيثة: مواقع مزورة تُقلّد شكل المواقع الأصلية لخداع الزبون.
ورغم حملات التحسيس التي تطلقها بعض البنوك بين الفينة والأخرى، إلا أن ردود الأفعال تبقى محدودة ومتأخرة مقارنة مع سرعة المحتالين في تطوير أدواتهم.
من يضمن حقوق الزبون؟
السؤال المطروح اليوم: من المسؤول عن حماية الزبائن؟ هل هي البنوك، أم الدولة، أم الزبون نفسه؟
القانون المغربي، وإن كان يتضمن مقتضيات ضمن مدونة التجارة والقانون الجنائي بخصوص الجريمة المعلوماتية، إلا أن الضحايا يجدون أنفسهم غالباً في حلقة مفرغة بين البنك، والشرطة، والنيابة العامة.
ففي كثير من الحالات، تُواجه الشكاوى برد بارد: "لقد أفصحت عن رمزك السري بنفسك... البنك غير مسؤول".
وهنا يظهر الفراغ القانوني الحاصل، حيث لا توجد إلزامات صارمة على البنوك بتعويض ضحايا الاحتيال الرقمي، رغم مسؤوليتها في تأمين أنظمتها، وتطوير وسائل الحماية.
الأمن السيبراني..الحلقة الضعيفة
تُجمع تقارير محلية ودولية على أن المغرب، رغم تقدمه في مجالات الرقمنة، لا يزال يفتقر إلى بنية قوية للأمن السيبراني المدني. ومع أن المديرية العامة لأمن نظم المعلومات بدأت خلال السنوات الأخيرة في إصدار تنبيهات تقنية حول الثغرات الأمنية، إلا أن غياب التنسيق بين الجهات المالية والأمنية والقضائية يجعل من الاحتيال الإلكتروني خطراً مستمراً.
توصيات ومطالب عاجلة
تعزيز التشريعات الخاصة بالجرائم الإلكترونية، وخاصة تلك المرتبطة بالقطاع البنكي.
إجبار البنوك على تحمل جزء من المسؤولية في حماية زبنائها وتعويض المتضررين في حالات الاحتيال الواضح.
إطلاق حملات وطنية دائمة للتوعية الرقمية، وليس فقط بلاغات ظرفية بعد وقوع الخسائر.
خلق آلية سريعة للتبليغ وتجميد العمليات المشبوهة في الزمن الحقيقي قبل أن تختفي الأموال.
خلاصة القول، الاحتيال الإلكتروني لم يعد مجرد تهديد نظري، بل واقع يومي يقتحم جيوب المغاربة. وإذا لم تتحرك المؤسسات البنكية، والدولة، لحماية زبائنها وإعادة بناء الثقة الرقمية، فإن الفجوة بين المواطن والبنك ستتسع... وربما تتحول إلى أزمة صامتة تنفجر في أي لحظة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك