نزع الملكية في المغرب بين القانون والواقع: التنمية أم النصب باسم كأس العالم؟

نزع الملكية في المغرب بين القانون والواقع: التنمية أم النصب باسم كأس العالم؟
مقالات رأي / الأحد 09 نوفمبر 2025 - 22:38 / لا توجد تعليقات: تهنئة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة

بقلم: مصطفى الشكري

يعيش المغرب اليوم موجة غير مسبوقة من نزع الملكية وهدم البيوت تحت غطاء “التهيئة” و”محاربة العشوائية” و”التحضير لكأس العالم”. لكن خلف هذا الخطاب الرسمي المزين بشعارات التنمية، يختبئ واقع مرير من الظلم الاجتماعي والفساد الإداري والعبث القانوني.

في مدينة الدار البيضاء، وبالضبط أمام ممر الكلاوي، تقف عمارة تاريخية من زمن المقيم العام ليوطي، شاهدة على مرحلة التأسيس الأولى للمدينة الحديثة. واجهتها المزخرفة ونمطها العمراني الكولونيالي يرويان قصة جيل كامل من البنايات التي جعلت من الدار البيضاء عاصمة اقتصادية ذات هوية معمارية فريدة. في فرنسا، كانت مثل هذه العمارات تُصنف ضمن التراث الوطني وتُرمم بعناية، أما في المغرب، فهي اليوم مهددة بالهدم أو التحويل إلى مشاريع فندقية وتجارية، وكأن الذاكرة لا تستحق أن تُحفظ.

لكن الأخطر من ذلك، هو ما يجري باسم محاربة البناء العشوائي.

فالسلطات، من قياد وباشاوات وعمّال، هم أنفسهم الذين منحوا رخص البناء قبل سنوات، وسكتوا عن توسع الأحياء التي يسمونها اليوم “عشوائية”. والآن، بعد أن تغيّرت المصالح والمخططات، يهدمون تلك البيوت التي كانت بالأمس مرخّصة منهم، ليُرمى أصحابها في الشارع دون تعويض عادل ولا بديل سكني.

إن ما نراه في مناطق مثل بوسكورة والرباط المحيط وأحياء متعددة من الدار البيضاء ليس تنمية، بل إعادة توزيع قسرية للعقار تحت غطاء قانوني هش. القانون الذي يُفترض أن يحمي المواطن صار أداة ضده.

فقانون نزع الملكية يُطبق بطريقة غير قانونية وغير إنسانية، دون احترام المساطر، ودون إشراك السكان أو منحهم حقوقهم المشروعة.

إن هذه الممارسات تكشف عن تناقض صارخ:                                

السلطة التي منحت الرخص هي نفسها التي تهدم اليوم ما رخصته بالأمس، والذين تسببوا في الفوضى العمرانية هم الذين يتحدثون الآن عن “محاربة العشوائية”.

ما يجري اليوم في المغرب ليس إلا عملية ممنهجة لنزع الملكية لصالح فئة محدودة، واستغلال لحدث رياضي عالمي لتبرير سياسات إخلاء قاسية وطمس ممنهج للذاكرة العمرانية.

ويبقى السؤال مفتوحًا أمام كل من يهمه مستقبل هذا البلد:

هل التنمية تعني طرد المواطن من بيته وهدم ذاكرة المدينة؟

وهل يمكن بناء مغرب جديد على أنقاض ظلم قديم يتجدد بوجوه جديدة؟

من أجل إصلاح حقيقي

إن مواجهة هذه الظواهر لا تتطلب شعارات جديدة، بل إرادة سياسية وتشريعية حقيقية.

فإصلاح قانون نزع الملكية أصبح ضرورة ملحّة، لضمان أن لا يُستخدم القانون كسلاح ضد المواطن، بل كأداة لحماية الحقوق وتحقيق العدالة الاجتماعية.

كما يجب إحداث هيئة وطنية لحماية التراث المعماري المغربي، تعمل على تصنيف المباني التاريخية ومنع هدمها إلا في الحالات القصوى، مع تشجيع الترميم بدل الإزالة.

المدن ليست مجرد إسمنت وحديد، بل ذاكرة وهوية.

ومن يفقد ذاكرته، يفقد بوصلته نحو المستقبل.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك