مظاهر الوجود البشري في ظل الثورة التكنولوجية المعاصرة: "أيديولوجيا النقر" - عصر التفاهة

مظاهر الوجود البشري في ظل الثورة التكنولوجية المعاصرة: "أيديولوجيا النقر"  - عصر التفاهة
مقالات رأي / الثلاثاء 05 أغسطس 2025 - 14:00 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد العرش المجيد

بقلم د. محمد احدو   

في ظل الثورة التكنولوجية المعاصرة، برزت مفاهيم جديدة تصف طريقة تفاعل الإنسان اليوم  مع الفضاء الرقمي. من أبرز هذه المفاهيم ما يُعرف بـ "أيديولوجيا النقر" (L'idéologie du clic) أو "ثقافة النقر". هذه الظاهرة السائدة في العصر الرقمي تتمحور حول التركيز الشديد على عدد النقرات والمشاهدات باعتبارها المعيار الأساسي للنجاح والقيمة.

يمكن اعتبارها أيديولوجيا لأنها تشكل مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي تؤثر بشكل مباشر على سلوك الأفراد والمؤسسات في البيئة الرقمية، وتوجه قراراتهم المتعلقة بإنشاء المحتوى وتوزيعه.

من الإصدارات الحديثة التي يمكن البناء عليها في هذا التحليل في تناول  هذه الظاهرة كتاب "L'Idéologie du clic: Enquête sur les nouvelles élites du numérique" للمؤلف لويك كوين (Loïc Gwenn). لقد توقف كوين في هذا العمل بتحقيق دقيق وتحليل معمق لظواهر ما أسماه "أيديولوجيا النقر"، معتبرًا إياها شكلًا من أشكال التفاعل مع مظاهر التفاهة والتضليل المنتشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي والقنواة الخاصة المنتشرة في الفضاء الرقمي  .

و تتجلى "أيديولوجيا النقر" في عدة مظاهر رئيسية بالنسبة ل " كوين " من خلال مؤلفه المميز :

 1  ظاهرة الكليكبيت (Clickbait): يتمثل ذلك في الاستخدام الشائع للعناوين المضللة أو المبالغ فيها والصور الجذابة. الهدف من هذه الممارسات هو إغراء المستخدمين للنقر على المحتوى، حتى لو كان المضمون الفعلي لا يتطابق مع العنوان أو الصورة. فالهدف الرئيسي هنا هو زيادة عدد النقرات بغض النظر عن جودة المحتوى أو مدى صدقه.

  2  التركيز على الكم والإثارة الزائفة على حساب الجودة: في هذه الثقافة، يصبح الهدف الأساسي هو تحقيق أكبر عدد ممكن من النقرات والمشاهدات. هذا يدفع صانعي المحتوى لإنتاج كميات كبيرة من المحتوى السطحي، المضلل، أو المثير للجدل، متجاهلين بذلك العمق، الدقة، والجودة.

3  تأثير الخوارزميات. حيث  تعتمد العديد من المنصات الرقمية الكبرى (مثل وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث) على خوارزميات تفضل المحتوى الذي يحقق تفاعلًا كبيرًا (نقرات، إعجابات، مشاركات). هذا التوجه يعزز من "أيديولوجيا النقر"، حيث يسعى صانعو المحتوى جاهدين لتلبية متطلبات هذه الخوارزميات لضمان وصول محتواهم إلى أكبر شريحة من الجمهور.

  4 الدافع المادي.  في كثير من الحالات، يكون الدافع الأساسي وراء "أيديولوجيا النقر" هو الربح المادي. فزيادة عدد النقرات والمشاهدات تترجم مباشرة إلى زيادة في الإعلانات والإيرادات المالية.

 

  5 تضييق الأفق المعلوماتي: تؤدي هذه الثقافة إلى تضييق أفق المستخدمين بشكل ملحوظ، حيث يتعرضون بشكل متزايد للمحتوى الذي يتم تصميمه لجذب انتباههم بسرعة. هذا يأتي على حساب المحتوى الذي يقدم معلومات شاملة ومفيدة .

 

باختصار، "أيديولوجيا النقر" تبعا ل" كوين، "   مفهوم يصف الكيفية التي أصبحت بها عدد النقرات والمشاهدات تمثل القوة الدافعة والمحرك الأساسي لإنتاج واستهلاك المحتوى في الفضاء الرقمي، مما يؤثر بشكل عميق على جودة المحتوى وسلوك المستخدمين. ويساهم في انتشار التفاهة في فضاءات التواصل . والأخبار الزائفة المضللة والزعامات الوهمية بغاية الربح والإثارة  والمشاهدة  .

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك