أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا
الصورة التي هزّت الوجدان قبل أن تهز
مواقع التواصل الاجتماعي، جمعت "ناصر الزفزافي" وهو يعانق والده المريض "عزيزي
أحمد" داخل أحد المستشفيات بمدينة الحسيمة، بعد أن وافقت إدارة السجون على
طلب ناصر بملاقاة والده الذي يصارع المرض.
صورة وحيدة، لكنها أقوى من ألف خطاب،
فجّرت نقاشا وطنيا واسعا، وأعادت إلى الواجهة أسئلة عميقة حول معنى العدالة، وجدوى
استمرار اعتقال شاب كل "ذنبه" أنه طالب بمستشفى بعدما عاش مرارة قهر
المرض في جسد والدته، وها هو اليوم يعانق الألم ذاته مجسدًا في والده.
المشهد العاطفي العابر للسجون
والجدران والحدود، لم يمر مرور الكرام، بل تحول إلى لحظة كاشفة ومؤلمة دفعت آلاف
المغاربة من داخل الوطن وخارجه إلى الانخراط في موجة تعاطف عارمة، حملت رسائل
واضحة للدولة، لقد تعب الناس من الوعود، تعبوا من تأجيل الكرامة، ومن رؤية أبنائهم
يُحاكمون ويُعتقلون لأنهم طالبوا بما هو أبسط من البسيط... مستشفى.
لا امتيازات، فقط مستشفى يعالج فيه
الناس كرامتهم قبل أمراضهم.
الرسائل التي ضجت بها منصات
"فيسبوك" و"تيك توك" وغيرها، أجمعت على أن المغاربة قد يصبرون
على الفقر، وقد يبتلعون مرارة البطالة، وربما يقبلون بواقع الهجرة والشتات، لكنهم
لن يساوموا على الصحة، لن يتنازلوا عن حقهم في العلاج والمدرسة.
فهم يرون اليوم في "ناصر
الزفزافي" صوتًا مكبوتًا خرج من قهر جماعي، وأملًا مشتركًا طمسته سياسة
الآذان الصماء.
الكثير من التعليقات ذهبت إلى ما هو
أبعد من صورة اللقاء، واعتبرتها ناقوس خطر، يستوجب وقفة وطنية لإعادة النظر في ملفات
معتقلي الرأي والحركات الاحتجاجية وحراك الريف خصوصا، والتأسيس لمصالحة حقيقية مع
كل من طالب بالعدالة الاجتماعية والكرامة.
لا يمكن للوطن أن يداوي جراحه دون أن
يعترف بألمه، ولا يمكن لمغرب الغد أن يُبنى فوق أنقاض الأصوات المطالبة بالإصلاح.
صورة "الزفزافي" لم تكن فقط
لحظة حنين بين ابن وأب، بل لحظة صادمة لوطن بأكمله.
لحظة عرّت هشاشة النموذج الصحي، وكشفت
الوجه الآخر للوجع المغربي في القرى والمدن المهمشة.
من طنجة إلى الكويرة، رسالة واحدة
تعلو على كل الأصوات، كفى من معاقبة من يطالب بالحياة الكريمة..كفى من تجريم من
يرفع صوت الحقيقة في وجه الصمت.
إن الآلاف من أبناء هذا الشعب، من
الجالية في أوروبا إلى شباب الحراك في الريف، يطالبون اليوم بفتح صفحة جديدة عنوانها،
مغرب العدالة لا مغرب الانتقام، مغرب المؤسسات لا مغرب التعليمات، مغرب يحتضن
أبناءه بدل أن يزجّ بهم في غياهب السجون والزنازين.
فهل من آذان صاغية؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك