أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
قبل شهور، أثار رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش الجدل حين صرّح بأن "المغاربة خاصهم شوية ديال التربية"، تصريح قوبل حينها بغضب واسع ورفض كبير.
لكن اليوم، ومع تحوّل (الدوارة) من مجرد "بقايا" لحم إلى منتج يباع بـ700 درهم، يجد كثير من المغاربة أنفسهم يعيدون النظر في كلام رئيس الحكومة، ليس إعجابًا بشخصه، بل لأن الواقع بات يبرّر - وإن على مضض - حقيقة صادمة:الفساد الصغير كايعيش فالشعب قبل ما يكون فالدولة!
"الدوارة" بـ700 درهم.. عندما تصبح البقايا رفاهية
في الأسواق الشعبية كما الراقية، تساءل المغاربة هذا الأسبوع باستغراب:
كيف يعقل أن تباع "دوارة" خروف العيد بـ700 درهم، وأحيانًا أكثر؟
هذا الجزء الذي كان يُرمى أو يُهدى للفقراء، أصبح اليوم سلعة فاخرة يتحكم فيها المضاربون والجشع الشعبي، وليس فقط كبار الفلاحين أو "الشناقة".
سوق اللحوم الحمراء بات عنوانًا صريحًا للعبث:
أسعار تتضاعف بشكل جنوني.
تواطؤ صامت بين البائع والمستهلك.
إقبال رغم الغلاء، والكل يشتكي.
من المسؤول؟ حين يكون المواطن جزءًا من المشكلة
الكل يوجّه أصابع الاتهام نحو الحكومة، وربما بحق.لكن ما لا يريد البعض الاعتراف به هو أن المواطن نفسه صار فاعلًا في الفوضى، إن لم يكن أحيانًا محركها الأول:
يشتري وهو يعلم أن السعر غير منطقي.
يبرر الغلاء بأنه "عيد وماشي كل نهار".
يرفع منسوب الطلب وهو يعلم أنه يُستغل.
بعبارة أوضح: المواطن في كثير من الأحيان "كيهز الثمن برضاه"، وكيزيد يشعل السوق بجهلو أو بتهافته.
"خاصنا شوية ديال التربية".. كلام أغضبنا ولكن!
حين قال أخنوش عبارته الشهيرة، لم يكن موفقًا في توقيتها ولا في طريقة تعبيره، خصوصًا وهو على رأس حكومة تواجه انتقادات شعبية قوية.
لكن إن تجرّدنا من الشخص، ونظرنا للواقع كما هو، سنكتشف أن جزءًا كبيرًا من السلوك الاستهلاكي للمواطن المغربي يُساهم في ترسيخ الفوضى وشرعنة الاستغلال.
من رمي الخبز في الزبالة، إلى شراء الأضاحي بالتقسيط فقط لمجاراة "العائلة"، إلى القبول بأسعار خيالية في اللحوم والدوارة والحولي… نحن أيضًا نحتاج وقفة ضمير.
أين الدولة من كل هذا؟ غياب الرقابة وفشل السياسات
طبعا، تحميل المواطن كل المسؤولية هو تبسيط مخل. فالدولة مسؤولة قبل غيرها عن:
غياب تسقيف الأسعار.
ضعف أجهزة الرقابة والتدخل في السوق.
ترك سماسرة الأعلاف والمواشي يتحكمون في العيد.
وما يحدث اليوم هو فشل مزدوج: من جهة حكومة لا تراقب ولا تتدخل، ومن جهة مواطن استسلم للمنظومة وكيزيد يغديها بتهافته وسكوته.
"الدوارة" مرآة مجتمع.. ووقت نراجعو ريوسنا
ارتفاع سعر "الدوارة" ليس مجرد حادثة عابرة، بل جرس إنذار:
إذا وصلنا لمرحلة نقبل فيها أداء 700 درهم مقابل بقايا لحم، ونسكت، ونبرر، ونعاود نشري، فالمشكل ماشي فقط في الحكومة.
المشكل أن التربية الاقتصادية، الوعي، وثقافة الاستهلاك غائبة… وهذا ما قصده أخنوش، وإن خانه التعبير.
فالدوارة اليوم درس حيّ: إما نراجع أنفسنا كمجتمع، أو نبقى نتفرج على أثماننا تتضاعف، وكرامتنا تُستباح..
وبصراحة؟ خصنا كاملين شوية ديال التربية، كل من موقعو.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك