
بقلم: المصطفى الرميد/وزير عدل سابق
تعتبر اللحظة
التشريعية لحظة ذات اهمية خاصة، لانها ينبغي ان
تملا التغرات بالتتميم، وتصلح
العثرات بالتعديل، وتتجاوز ما يستوجب التجاوز،
بالنسخ والتغيير.
لذلك يطرح
السؤال التالي؛ هل ان قانون المسطرة الجناىية الجديد، غير ما مايستوجب التغيير،
وعدل مايستوجب التعديل، واتم مايستوجب التتميم؟
والجواب العام
على ذلك ، هو ان هذا القانون، بالفعل ، لبى الكثير من ذلك، وهو بذلك قانون يستوجب
التنويه ، الا انه ، من جهة اخرى ، لم يستجب لكل ماينبغي ان يكون، اضافة الى
احداثه ما كان ينبغي ان لايكون.
وفي هذه
الاطلالة، سنقف على مثال عما كان ينبغي ان يكون، غير ان مشرع المسطرة الجنائية، لم يلتفت اليه بالقدر الكافي، وبالتالي، جعل هذا القانون غير مستجيب لمتطلبات
المرحلة، واستحقاقها التشريعي الاساسي.
وفي هذا السياق ، وجبت الاشارة الى ان ماكان ينبغي الاهتمام به ، هو، اولا،مواءمة
التشريع الجنائي المسطري مع النص الدستوري
، ثم ، ثانيا، مع الاتفاقيات الدولية ،كما صادق عليها المغرب ، اضافة الى انجاز
ماتقتضيه الحاجة التشريعية الوطنية
،بناء على معطيات تطور الجريمة، وسبل
معالجتها .
وفي هذا
الاطار، ليس هناك من موضوع يفرض نفسه على كل مشرع مادة المسطرة الجنائية، اهم من موضوع وضعية
المشتبه فيه، حين مثوله امام الشرطة
القضائية، وشروط استجوابه من قبلها، ومدى
مصداقية المحاضر المنجزة اثر ذلك.
وجدير بالذكر
ان الموضوع لايهم فقط حماية حقو ق الناس وحرياتهم، من اي تجاوز ، فضلا، عن توفير
اهم ضمانات المحاكمة العادلة ، من منطلق الأهمية القصوى للمحاضر امام المحاكم
الزجرية.
ان الموضوع،
تمتد اهميته لتلامس مصداقيةالمؤسسة الامنية، وبالتالي، السمعة الحقوقية للدولة، مع
مايترتب عن ذلك من نتائج متباينة.
وهكذا،فانه
بقدر مايمكن ان يسجل من تجاوزات على صعيد البحث في انجاز المحاضر، بقدر ماينبغي
استحضار احتمال الادعاء الكاذب بحق هذه المحاضر، وبالتالي في حق المؤسسة التي عهد
اليها القانون بانجازها.
لذلك ، فان من
مصلحة الوطن اولا، والمواطن ثانيا، استحضار مايلي:
اولا، ان
الدستور قرر في الفصل 120 ،ان ( لكل شخص
الحق في محاكمة عادلة )..
فهل ياترى،
يمكن الجزم بان المحاكمة العادلة تتحقق بناء على محاضر ينكر المتهمون صدور التصريحات المنسوبة اليهم بها، وهي التي
انجزت في ظروف لايمكن الجزم بمصداقيتها؟
ان الموضوع
يستفز الضمير الحقوقي بقوة، فمن جهة ، هنآك انسان كان في ظروف صعبة، وليس من
المستبعد ان يكون ثمة صدقية لانكاره
للتصريحات المنسوبة اليه، في الوقت الذي لايستطيع اثبات صحة هذا الانكار ، اوكونه تعرض
للتعذيب او المعاملة غير اللائقة،
كما يدعي البعض في العديد من الاحيان،ومن جهة اخرى، هناك مؤسسات امنية، تقوم بواجبها
بمهنية واحترافية طبقا للقانون،
ومع ذالك ، يعمد العديد من
المتهمين الى ادعاءالتعذيب، او
ماشابه، للافلات من العقاب.
ثانيا، ان
الدستور نص في التصدير على ( جعل
الاتفاقيات الدولية ،كما صادق عليها المغرب ، وفي نطاق احكام الدستور ،وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها ،على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ماتتطلبه
هذه المصادقة ).
ان الاتفاقيات
الدولية التي تهمنا في هذا السياق ، هي ثلات اتفاقيات ،تعتبر من اهم الاتفاقيات
التي تنتمي الى مايسمى بالنواة الصلبة للمارسة الاتفاقية، وذلك كما يلي:
1)
اتفاقية العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
ان المغرب
قام بعد مصادقته على اتفاقية العهد الدولي للحقوق المدنية
والسياسية، بنشرها بالجريدة الرسمية
بتاريخ 21ماي 1980، غير ان المدقق في هذه الاتفاقية، لايجد نصا صريحا بشان وجوب
حضور المحامي مع المشتبه فيه امام الشرطة القضائية، لكن،وكما هو معلوم ، فان هذه الاتفاقية نصت على اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية ، التابعة
للامم المتحدة، وهي اللجنة التي
تتلقى تقارير الدول بشان مستوى احترامها لالتزاماتها
التعاقدية بشان هذه الاتفاقية.
ان هذه
اللجنة، في تعليقها رقم 13في الدورة
22لسنة 1984 ، اشارت بشكل عام الىموضوع
الاتصال بالمحامي، لكنها طورت تفسيرها
للمادة 14 الفقرة 3 (ز ) بمقتضى عدة بلاغات، ومن ذلك البلاغ
رقم 1769/2008، بشان قضية بونداى ضد اوزباكستان، حيث قالت ( بانتهاك الفقرتين 3(ب)و ( د)من
المادة 14، لانه لم تتح للضحية امكانية
الاتصال بمحام اثناء خضوعها للاستجواب ، وحرمت من حقها في الاستعانة بمحام من اختيارها )، واستنتجت اللجنة، (انه وقع انتهاك قائم بداته
للفقرة3(ز) بسبب انتزاع الاعترافات تحت
التعذيب.).
وقد تم
تاكيد هذا الراي في البلاغ الموجه من قبل
الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، الى الحكومة المغربية رقم 40/2012
بتاريخ:28 فبراير2012.
كما صدرت عدة
اراء في هذا الاتجاه ، من ذلك ماورد في الراي المعتمد من قبل الفريق
نفسه في دورته96بتاريخ5ابريل 2023، حيث نص على مايلي:( تنص المادة 14 (3)(ب) و
(د)من العهد ، على انه يحق لكل شخص مسلوب
الحرية ان يستعين بمحام يختاره بنفسه
في اي وقت واثناء الاحتجاز ، بما في ذلك بعيد اعتقاله ، وعلى ان تتاح
هذه الاستعانة، من دون تاخير . والحرمان
من حق الفرد في الاستعانة بمحام ينتهك مبدا تكافؤ وسائل الدفاع، والحق في ان تستمع اليه محكمة مستقلة حيادية ،
تكفلهما المادة 14(1)و(3)(ه) من العهد).
ان تاكيد هذا
التاويل للمادة المذكورة، يضع الدول
المصادقة على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، امام مسؤولية جسيمة، ودقيقة
، تستوجب لامحالة ،ملاءمة تشريعها مع هذاالتفسير الواسع للعهد ، حتى لا تقع تحت
طائلة بلاغات تقرر التعسف في اعتقال اصحاب الشكاوي امام اللجان والاليات المختصة
كما سيتاكد ذلك فيما ياتي.
2) اتفاقية
مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة
القاسية ... ، والاتفاقية
الدولية لحماية الاشخاص من الاختفاء القسري.
لقد صادق
المغرب على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية...، في
1993/6/21، و تم نشرها في الجريدة الرسمية
بتاريخ 1996/12/19، كما صادق على الاتفاقية الدولية لحماية الاشخاص من
الاختفاء القسري، في2013/5/14 ،ونشرها
بالجريدة الرسمية، بتاريخ 2014/02/10، وقد قرر بناء على ذلك الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، رايا في البلاغ رقم2012/40 قال فيه مايلي: ( والقضية محل النظر تتعلق بشخص تم توقيفه واتهامه ومحاكمته
وادانته بالاستناد الى اعترافات انتزعت منه
تحت التعذيب، ولم يستفد هذا الشخص
من مؤازرة محام اثناء خضوعه للاستجواب،
وتراجع المتهم عن اعترافاته فور حصوله على استشارة قانونية، واستندت ادانته
حصرا الى ماادلى به من اقوال.)
كما اكد
الفريق العامل المذكور في دورته73بتاريخ 4 سبتمبر 2015، على انه،( يخلص الفريق العامل الى ان السيد (....) الذي اتهم في المشاركة في
عمل ارهابي ، قد خصع للاحتجاز السري
وللتعذيب ،دون ان يستعين بمحام، ووقع اعترافات
لم يطلع عليها ، واستخدمت لاحقا
لادانته... ).
كما ورد ضمن
الآراء التي اعتمدها الفريق المذكور، راي تحت رقم2013/19 ، قرر فيه الاتي :(ان
لجنة مناهضة التعذيب ، اعربت في ملاحظاتها
الختامية، عن قلقها ازاء العديد من اداعاات التعذيب ، واساءةالمعاملة التي يرتكبها ضباط
الشرطة...عندما يحرم الاشخاص من ممارسة الضمانات القانونية الاساسية مثل الاستعانة بمحام...).
كما انه ورد في الراي المقدم في الدورة 64بتاريخ
31.27 غشت2012 مايلي: ( وختاما، يؤيد المقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة، او العقوبة
القاسية، الراي القائل انه: لاينبغي لاي بيان بالاعتراف تم الحصول عليه من شخص
محروم من حريته ، باستثناء مايتم الاعتراف به في حضور قاض او محام، ان يكون ذا
قيمة اثباتية في المحكمة...)..
ان هذه الاراء
والبلاغات وغيرها، التي وصلت حد
التواثر ، تجعل كل دولة ، اذا لم يقرر تشريعها حق المشتبه فيه في الاستعانة
بمحام ، وعدم الحضور الفعلي لهذا الاخير، سببا للقول بالاحتجاز التعسفي والتعذيب ،
وذلك بناء على اي ادعاء، حتى ولو كان
مجردا، يصدر عن المشتكي امام اللجان والاليات الاممية المعنية، وبالتالي
المطالبة باطلاق سراح المشتكي وتعويضه، كما وقع في العديد من الحالات ، بالنسبة
للمغرب، كما باقي الدول.
ذلك ان هذه المؤسسات، تعتبر انه متى ادعى شخص
الاجتحاز التعسفي ، او التعذيب، فانه مصدق في ادعااته، حتى ولو كانت غير صحيحة في
الواقع،الا إذا اثبتت الدولة عكس ذلك، وان من جملة القرائن المعتمدة في تصديق
ادعاات المشتكي ،غياب حضور المحامي، خلال مرحلة استجواب الشخص المعني.
لذلك ، فان
مشرع المسطرة الجنائية، اذ لم يضع في
الاعتبار مقتضى البلاغات الاممية، بشان
حضور المحامي، اثناء استجواب الشرطة للاشخاص، فانه يجعل التشريع المغربي غير
متلائم مع اتفاقيات دولية اساسية، ويعرض المؤسسة الامنية للاتهام بالتعسف والتعذيب
وسوء المعاملة ، بل يعرض القضاء المغربي ايضا ،
لشبهة عدم انجاز المحاكمة العادلة إذا استندت الى محضر انجز في غياب
المحامي ، وهو مايعتبر اساءة بليغة للسمعة الحقوقية الوطنية..
لقد قبل
المغرب التحدي، بالترشح لاحتضان نهائيات كاس العالم في كرة القدم ، سنة 2030،
ويسعى ليكون في مستوى شركائه ، اسبانيا
والبرتغال، من حيث التنظيم ، والبنى التحتية، وغيرها...
لذلك، فان
الامل كبير، في ان يعمل المغرب ، بنفس الروح والعزيمة، على اقتحام هذه
العقبة، من خلال تشريع مقتضيات
جديدة، تلبي استحقاقات الملاءمة الاتفاقية اللازمة، في هذا الموضوع، ولو
بالنص على فترة انتقالية ، من الان،الى
غاية سنة 2030، لتاهيل المؤسسات المعنية، لتكون قادرة على الاستجابة لهذا
التحدي، تحدي حضور المحامي خلال مرحلة
استجواب المشتبه فيه.
ولا اشك لحظة في انها قادرة، باذن الله، على
ذلك، كما عودتنا في مناسبات متعددة، والله
الموفق.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك