بقلم : نادية عسوي
مرة أخرى تُقطف رأس مسؤول بعد أزمة مستشفى الحسن الثاني بأكادير. إعفاء
المديرة الجهوية للصحة بسوس-ماسة ليس سوى صورة مكررة لسياسة قديمة: حين يشتعل
الغضب، نعاقب فرداً ونُسكت الضجيج. لكن هل هذه هي الحقيقة؟ وهل الرؤوس هي أصل
الداء؟
المغاربة يعرفون الجواب من تجربتهم اليومية. الانتظار الطويل في كل
التخصصات: أشعة لشهور، جراحة لعشرات الآلاف من الملفات المتراكمة، نساء في قاعات
الولادة بلا أسرّة كافية، مرضى سرطان يجوبون المدن طلباً لجرعة علاج.
المنظومة كلها تختنق. الممرضون الذين يشكلون العمود الفقري منهكون، أعدادهم
قليلة جداً مقارنة بالحاجيات، يشتغلون لساعات طويلة بلا راحة. الأطباء بدورهم
يشتغلون في ظروف صعبة بأجور محدودة، ويفكر الكثيرون في الهجرة أو التفرغ للقطاع
الخاص. هؤلاء ليسوا أصحاب ذنب فردي، بل ضحايا منظومة جعلت المستشفى العمومي الحائط
القصير الذي تنهال عليه كل الضربات.
ولكن المشكل الحقيقي هو لوبي
الأقوياء الذين يملكون نفوذاً كبيراً، لدرجة أن الوزارة والحكومة نفسها تجد
صعوبة في مواجهتهم. هذا اللوبي يفرض واقع "رجل في العام ورجل في الخاص"،
حيث يُستنزف جهدهم في المستشفى العمومي بالحد الأدنى، ثم يوجهون جهدهم للمصحات
الخاصة حيث الامتيازات أوفر. هنا لا لوم على الشخص كفرد، بل على نظام ترك الباب
مفتوحاً للجمع العشوائي بين القطاعين، من دون ضوابط أو التزامات واضحة تجاه المال
العام الذي تكوّن به هؤلاء.
ثم تأتي معضلة الحكامة. المسؤولون الجهويون والإقليميون يجدون أنفسهم
غالباً بلا صلاحيات حقيقية، محاصرين بين لوبيات قوية ونقابات نافذة وضغوط سياسية،
ليصبحوا كبش فداء عند كل أزمة. يُحاسبون دون تمكين، ويُعاقَبون دون أن يُسأل أحد
عن أصل الداء: الميزانية الضعيفة، والتخطيط غير المتوازن، والقرارات المتأثرة أكثر
بالسياسة من المصلحة الصحية.
لهذا، فإن الحل ليس في إعفاء المديرين والمديرات، ولا في تعليق الأزمة على
كتف موظف واحد. الإصلاح الحقيقي يتطلب شجاعة سياسية تُعيد التوازن: تقنين صارم
للجمع بين العام والخاص، خاصة في التخصصات النادرة، مع ضمان أن المستشفى العمومي
يستفيد أولاً. تحسين الأجور والتعويضات والظروف المهنية حتى لا يظل القطاع العام
مجرد محطة عبور. وقبل كل شيء، تمكين المسؤولين الجهويين والإقليميين من صلاحيات
واسعة وأدوات حقيقية ليواجهوا الضغوط ويحاسَبوا على نتائج ملموسة، لا على أعطاب
ورثوها.
إن الرأي العام لم يعد يصدق أن المشكلة في رأس هذا أو ذاك. المشكلة أعمق:
لوبيات نافذة، ضعف في القرار السياسي، ومستشفيات عمومية تُترك لتسقط حتى تصبح
فريسة سهلة للقطاع الخاص. المطلوب اليوم إصلاح جذري، لا مسكنات ظرفية. إصلاح يضع
المريض أولاً، ويعيد الاعتبار للقطاع العمومي، وينهي ثقافة “كلما أينع مشكل… تُقطف
رأس مسؤول” .
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك