عندما يصبح حظ الكلاب حلماً للشباب

عندما يصبح حظ الكلاب حلماً للشباب
أقلام حرة / الأحد 14 سبتمبر 2025 - 13:00 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

بقلم : نادية عسوي

من غرائب هذا الزمن أن تتحول قصة كلبة ضالة تبعت سائحة ثمانين كيلومتراً من زاكورة، إلى مادة للنقاش العمومي. ليس لأن الحكاية في ذاتها استثنائية، بل لأن المغاربة رأوا فيها مرآة تعكس هشاشتهم وأزمتهم الوجودية. الكلبة وصلت إلى بريطانيا، إلى بيت دافئ، إلى حياة جديدة. أما شباب هذا الوطن، فصاروا يتمنون نصيباً من حظها.

المفارقة ليست في أن كلبة غادرت شوارع الغبار إلى أرصفة لندن، بل في أن إنساناً، بكامل طاقته وحياته وذكائه، صار يشعر أن حظه أقل من كلب. هذه ليست نكتة، ولا مجرد تعبير عن السخرية الشعبية، بل صرخة عميقة تكشف أن الأفق في هذا البلد ضاق إلى حد أن الحلم صار يُختصر في "الرحيل"، حتى لو كان بلا رجعة. 

الفلسفة تعلمنا أن قيمة الإنسان أسمى من أن تُقاس بالمكان أو بالمصادفة. لكن السياسة في بلداننا جعلت من الصدفة قانوناً عاماً. من وُلد في بيت ميسور فُتحت أمامه الأبواب، ومن وُلد في الهامش عاش على الانتظار. الدولة التي يُفترض أن تمنح أبناءها شروط الكرامة، صارت عاجزة عن إقناعهم بالبقاء. النتيجة أن المواطن لم يعد يسائل نفسه: ماذا سأحقق هنا؟ بل: متى سأرحل؟

وهنا يبرز السؤال الجوهري: من المسؤول عن هذا المآل؟

الدولة مسؤولة عن سياسات عمومية لم تضمن العدالة الاجتماعية ولا توزيعاً متوازناً للثروة. النخب السياسية مسؤولة لأنها اختزلت همها في المقاعد والانتخابات بدل أن تعيد للشباب الأمل في المستقبل. النخب الاقتصادية مسؤولة حين جعلت السوق حكراً على الأقلية وتركت الأغلبية في الهشاشة. وحتى المجتمع نفسه يتحمل نصيبه من المسؤولية حين استسلم لمنطق "دبر راسك" وغابت عنه قيم التضامن الحقيقي.

القصة إذن ليست في الحسد الذي وُجِّه لكلبة محظوظة، بل في المأساة التي جعلت الشباب يتمنون أن يعيشوا حياتها. وهذا في حد ذاته إدانة صامتة لنظام اجتماعي واقتصادي وسياسي لم ينجح في إقناع أبنائه بأن المستقبل يمكن أن يُبنى هنا.

إنها دعوة للتأمل: إذا كان الناس يتمنون أن يعيشوا حياة كلبة وجدت صدفة من يفتح لها الباب، فالمشكلة ليست في الناس، بل في الأبواب التي أُغلقت في وجوههم.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك