"الرشوة… جوعٌ لا يُشبعه المال"

"الرشوة… جوعٌ لا يُشبعه المال"
أقلام حرة / الأربعاء 10 سبتمبر 2025 - 21:04 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

بقلم : نادية عسوي

الرشوة، في أبسط تعريفاتها، هي مال أو منفعة تُقدَّم لإبطال حق أو تمرير باطل. هي اللحظة التي يُباع فيها الضمير على طاولة المصالح. أما المرتشي فهو من يتنازل عن قيمه ويحوّل موقعه من خدمة الناس إلى ابتزازهم. وأما الرائش، ذلك الوسيط بين الدافع والقابض، فهو خيط العنكبوت الذي يربط طرفي الفساد، ويضمن استمرار الدائرة.

ولأن الرشوة ليست مجرد واقعة عابرة، جاءت النصوص المؤسسة للحضارة الإنسانية لتدينها بشدة.

في الحديث النبوي: «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهم». وفي القرآن الكريم: ﴿ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون﴾.

هذه النصوص لا تُستحضر هنا للوعظ، بل لتذكيرنا أن الرشوة قديمة قدم الإنسان، وأنها نقيض العدالة، أينما وُجدت وأيًّا كان زمنها.

غير أن الفاحشة ـ كما يسميها النص القرآني في موضع آخر ـ لا تقتصر على ما هو جنسي كما يختزلها البعض، بل هي كل ما يشين الأخلاق وينخر القيم: من الكذب والغش إلى الظلم والرشوة.

إن الفاحشة في بعدها الأعمق هي مرض المجتمع حين يفقد توازنه الأخلاقي.

قد يقال إن رفع الأجور كفيل بقطع الطريق على المرتشين، لكن التجربة تُظهر أن الرشوة ليست وليدة الحاجة فقط، بل ثمرة ثقافة ترى في المنصب فرصة للاغتناء، وفي السلطة وسيلة للتفوق على القانون.

المرتشي قد يكون فقيراً أو غنياً، لكن المشترك بينهما هو قبول تحويل القيم إلى عملة رخيصة.

الرشوة إذن ليست مسألة مال، بل مسألة وعي. هي سؤال فلسفي قبل أن تكون جريمة قانونية: هل يمكن للإنسان أن يحيا بكرامة وهو يبيع كرامة غيره؟ وهل يكفي أن نزيد الرواتب إن كانت النفوس لا تزال جائعة إلى ما لا تستحق؟

الجواب لا يكمن في الأجر وحده، بل في بناء مجتمع يربط المنصب بالمسؤولية، والسلطة بالخدمة، والعدالة بالثقة. عندها فقط يمكننا أن نأمل أن تتراجع الرشوة من واقعنا، لا لأنها صارت غير مربحة، بل لأنها صارت غير ممكنة أخلاقياً.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك